الاتحاد الأوروبي يُحدث قائمته للدول عالية الخطورة: إدراج الجزائر وسحب الإمارات

في إطار التحديث الدوري الذي تُجريه المفوضية الأوروبية لمكافحة الجرائم المالية العابرة للحدود، أعلنت عن تعديل جديد لقائمة الدول التي تُعتبر “عالية الخطورة” فيما يتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد شمل هذا التحديث إدراج الجزائر للمرة الأولى ضمن هذه القائمة، إلى جانب تسع دول أخرى.

ووفقًا لما ورد في البيان الرسمي الصادر عن المفوضية: “لقد قامت المفوضية بإجراء تقييم فني شامل بالاستناد إلى معايير محددة ومنهجية واضحة، مع دمج المعلومات المستقاة من مجموعة العمل المالي (FATF)، والحوار الثنائي مع الدول المعنية، بالإضافة إلى الزيارات الميدانية إلى هذه الدول.” (المصدر: المفوضية الأوروبية – بيان صحفي بتاريخ 10 يونيو 2025) https://ec.europa.eu/commission/presscorner/detail/en/ip_24_3241

في المقابل، قررت المفوضية سحب عدد من الدول من القائمة، أبرزها الإمارات العربية المتحدة، بعد مراجعة الإصلاحات التشريعية والتنظيمية التي نفذتها تلك الدول خلال السنوات الماضية، والتي اعتبرها الاتحاد الأوروبي كافية لتبرير الخروج من التصنيف عالي المخاطر.

خلفية: ما هي هذه القائمة؟

تُعرف “القائمة الأوروبية للدول عالية الخطورة” بأنها أداة تنظيمية تعتمدها المفوضية الأوروبية في إطار استراتيجيتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب داخل الاتحاد الأوروبي. وتُبنى هذه القائمة على تقييمات تستند إلى معايير دولية صادرة أساسًا عن مجموعة العمل المالي (FATF)، إلى جانب معايير أوروبية أكثر دقة، تأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي قد تُشكلها الأنظمة المالية غير المتوافقة على أمن السوق الأوروبية.

وتُدرج في هذه القائمة الدول التي تُظهر “نقائص استراتيجية خطيرة” في منظومتها الوطنية، سواء على مستوى الإطار القانوني، أو فعالية المؤسسات الرقابية، أو التعاون الدولي، أو مستوى الشفافية والرقابة على القطاعات المالية وغير المالية المعرضة للاستغلال.

ويترتب على إدراج دولة ما في هذه القائمة مجموعة من الآثار العملية داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تُلزم التشريعات الأوروبية المؤسسات المالية وشركات التأمين والمهن القانونية والمحاسبية باتخاذ تدابير فحص معمّقة (due diligence renforcée) عند التعامل مع عملاء أو جهات تنتمي إلى تلك الدول. وتشمل هذه التدابير التحقق الإضافي من هوية العملاء، مصدر الأموال، وطبيعة العلاقات المالية، إلى جانب إبلاغ السلطات المختصة عند الاشتباه بأي نشاط غير مشروع.

وتعتبر هذه القائمة، وإن كانت تقنية في ظاهرها، أداة ذات أبعاد سياسية واقتصادية، نظرًا لتأثيرها المباشر على صورة الدول المعنية في الأسواق الدولية وعلى ثقة المستثمرين فيها، كما قد تشكل عامل ضغط خارجي يُحفّز تنفيذ إصلاحات داخلية في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد والشفافية المالية.

الجزائر في القائمة: ما الأسباب؟

وفقًا لتقرير التقييم المتبادل الصادر عن مجموعة العمل المالي (FATF) في عام 2022، وكذلك تقرير المتابعة المعزز الصادر في مايو 2024، لا تزال الجزائر تُظهر “نقائص استراتيجية” كبيرة في منظومتها الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد ركز التقرير على عدة مؤشرات بارزة:

أولًا، ضعف الإشراف القائم على المخاطر؛ حيث لا تزال العمليات التفتيشية والرقابية على المؤسسات المالية والمهن غير المالية تتم بشكل متقطع، وتفتقد إلى النزاهة والاستمرارية، فضلًا عن غياب العقوبات الرادعة في حالات الانتهاك .https://www.fatf-gafi.org/en/countries/detail/Algeria.html?utm_source=chatgpt.com

ثانيًا، غياب الشفافية في الملكية الحقيقية؛ إذ أشار التقرير إلى أن الجزائر لا تملك بعد إطارًا فعالًا لتحديد المستفيدين الفعليين من الكيانات القانونية أو العقارية، مما يسمح باستخدام هذه الهياكل كغطاء لأموال مشبوهة .

ثالثًا، نقص في تبليغ العمليات المشبوهة (STRs)؛ فعدد البلاغات المقدمة من الجهات الخاضعة للرقابة لا يرتقي إلى الحد المطلوب، ويُظهر غياب الوعي الكافي والأدوات القادرة على الكشف المبكر عن صفقات مشبوهة .

رابعًا، قصور في تجميد أصول ممولي الإرهاب؛ لم يتمكن القانون الجزائري بعد من توفير آليات فعّالة تتيح تعليق أو حجز أصول مرتبطة بقرارات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، بحسب التقرير الفني .

خامسًا، الإطار المتعلق بالمنظمات غير الربحية أو منظمات المجتمع المدني؛ حيث أن الهيئات الرقابية في الجزائر لم تعتمد بعد آلية تقييم منهجية لمخاطر تلك المنظمات في تمويل الإرهاب، مما يشكل ثغرة واضحة في منظومة السلامة المالية .

المصدر Algeria Follow‑Up Report – May 2024 

سحب الإمارات من القائمة الأوروبية

في مقابل إدراج الجزائر، قررت المفوضية الأوروبية سحب دولة الإمارات من قائمة الدول عالية الخطورة في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بعد استيفائها متطلبات خطة العمل المعتمدة بالتعاون مع مجموعة العمل المالي (FATF).

وفقًا للتقرير الفني الصادر بتاريخ 23 فبراير 2024 من FATF، أُزيلت الإمارات من “القائمة الرمادية” (Grey List)، وذلك لنجاحها في معالجة النقائص الاستراتيجية التي تم تحديدها في تقييمها لعام 2022. وشملت الإصلاحات الإماراتية تعزيز الإشراف على القطاعات غير المالية، تحسين جودة البلاغات عن المعاملات المشبوهة، وتعزيز آليات تجميد الأصول ذات العلاقة بالإرهابhttps://urlr.me/xKMbZY

وقد انعكست هذه التطورات بشكل مباشر في قرار المفوضية الأوروبية الصادر في 10 يونيو 2025، الذي أكد أن الإمارات حققت تقدمًا ملموسًا في الجوانب التنظيمية والتشريعية المصاحبة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ما أدى إلى سحبها رسميًا من القائمة الأوروبية للدول عالية الخطورة.

الدول المُدرجة إلى جانب الجزائر ومبررات إدراجها

إلى جانب الجزائر، شمل التحديث الجديد لقائمة الدول عالية الخطورة الصادر عن المفوضية الأوروبية إدراج تسع دول إضافية، وهي: موناكو، أنغولا، ساحل العاج، كينيا، لاوس، لبنان، ناميبيا، نيبال، وفنزويلا. ووفقًا لما ورد في الملحق الرسمي للائحة المفوضية الأوروبية، فإن إدراج هذه الدول جاء نتيجة وجود نقائص استراتيجية خطيرة في منظوماتها الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتشمل المبررات الأساسية التي استندت إليها المفوضية في هذا القرار ما يلي:

  • قصور في الإشراف المالي الفعّال على المؤسسات المالية والمهن غير المالية.

  • تأخر ملحوظ في تنفيذ توصيات مجموعة العمل المالي (FATF).

  • نقص الشفافية أو غياب قواعد صارمة بشأن تحديد المستفيدين الفعليين (Beneficial Ownership) من الكيانات القانونية.

  • ضعف عام في أنظمة مكافحة تمويل الإرهاب، سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي.

التداعيات المحتملة على الجزائر

رغم أن إدراج الجزائر في قائمة الدول عالية الخطورة لا يعني فرض عقوبات اقتصادية مباشرة من قبل الاتحاد الأوروبي، إلا أن لهذا القرار تداعيات مهمة على علاقاتها المالية والتجارية. فالمؤسسات والبنوك الأوروبية ستصبح ملزمة بتطبيق تدقيق معزز على جميع المعاملات القادمة من الجزائر، مما قد يؤدي إلى إبطاء الإجراءات المتعلقة بالتحويلات المالية، وتقييد فرص الاستثمار والتعاون مع الشركاء الأوروبيين.

كما أن هذا الإدراج قد يدفع بعض المؤسسات المالية الدولية إلى إعادة النظر في شراكاتها المصرفية أو تمويل مشاريع مع جهات جزائرية، في انتظار وضوح التوجهات الإصلاحية. ووفقًا للمادة 9 من التوجيه الأوروبي الرابع (AMLD IV)، تُلزم القوانين الأوروبية الفاعلين الماليين باتخاذ تدابير إضافية مشددة عند التعامل مع دول مدرجة على هذه القائمة.

ما بعد الإدراج: الطريق نحو الخروج من القائمة

يتيح النظام الأوروبي إمكانية مراجعة وضع الدول المُدرجة في حال ثبت حدوث تحسن ملموس في أنظمتها الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وفي هذا الإطار، يُنتظر أن تعمل الجزائر على إعداد خطة عمل تفصيلية بالتعاون مع مجموعة العمل المالي (FATF)، تتضمن إصلاحات تشريعية ومؤسساتية، على أن تخضع هذه الخطة لاحقًا لتقييمات دورية مستقلة. ويُعد التزام السلطات بتنفيذ إصلاحات بنيوية، وتعزيز الشفافية والرقابة، شرطًا أساسيًا للخروج من التصنيف الحالي.

ما الفرق بين قائمة الاتحاد الأوروبي وقوائم FATF؟

رغم أن القائمة الأوروبية للدول عالية الخطورة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تستند في جزء كبير منها إلى تقييمات مجموعة العمل المالي (FATF)، فإنها تختلف عنها من حيث الأسس القانونية، نطاق التطبيق، والأهداف المباشرة.

تقوم مجموعة العمل المالي – وهي هيئة دولية مقرها باريس تضم في عضويتها أغلب الدول الكبرى – بإصدار قائمتين رئيسيتين:

  • القائمة الرمادية (Grey List): تشمل الدول التي توجد بها نقائص استراتيجية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لكنها أبدت التزامًا سياسيًا واضحًا بالتعاون والعمل على تنفيذ خطة عمل لمعالجة هذه النقائص.

  • القائمة السوداء (Black List): تضم الدول التي تعاني من نواقص جسيمة وتمتنع عن التعاون أو اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتُعتبر مخاطِرة بدرجة عالية جدًا.

أما الاتحاد الأوروبي، فيستند إلى قوائم FATF كأساس، لكنه لا يكتفي بها. بل يعتمد أيضًا على تحليل مستقل تُجريه المفوضية الأوروبية يشمل تقييم المخاطر التي قد تُهدد السوق المالية الأوروبية بشكل مباشر. وقد يُدرج الاتحاد الأوروبي دولة في قائمته حتى إن لم تكن مدرجة على قوائم FATF، إذا رأى أن تلك الدولة تمثل خطرًا فعليًا أو نظاميًا على أمنه المالي.

كما أن الآثار المترتبة على الإدراج تختلف:

  • في FATF، الإدراج يُشكل ضغطًا سياسيًا دوليًا، ويؤثر على علاقات الدولة مع المؤسسات المالية والجهات المانحة.

  • في الاتحاد الأوروبي، الإدراج يُفعّل تلقائيًا إجراءات رقابية صارمة داخل دول الاتحاد تجاه التعاملات المالية مع الدول المدرجة، ما يؤدي إلى عزوف محتمل للمؤسسات المصرفية والاستثمارية عن الانخراط في أنشطة مالية مع تلك الدول.

هذا التمييز يُبرز الطبيعة المزدوجة لهذه القوائم: فهي أدوات تقنية لضمان سلامة الأنظمة المالية، ولكنها أيضًا أدوات ضغط سياسي تُستخدم لتحفيز الإصلاحات، أو أحيانًا لإرسال رسائل دبلوماسية ذات حمولة استراتيجية.

Related posts

السيدة الوزيرة تترأس اجتماعًا تنسيقيًا لمناقشة جملة من الملفات على رأسها التحضيرات للدخول الاجتماعي والمدرسي المقبلين

السيدة الوزيرة تؤكد أن دعم و مرافقة المرأة في صلب اهتمامات قطاع التضامن الوطني

السيدة الوزيرة تقوم بزيارة عمل وتفقد إلى ولاية عين قزام

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Read More