في كل أول نوفمبر، تغتسل الجزائر بذاكرة لا تموت، وتنكشف أمامها رائحة البارود وعبق الكرامة. تعود الذاكرة لتستدعي أولئك الذين عبروا ليل الاستعمار وهم يحملون شعلة الحرية، ومن بينهم نساء وضعت الثورة على أكتافهنّ أمل الأمة.
لم تكن المرأة الجزائرية شاهدة على الثورة فحسب؛ كانت نبضَها الحي. كانت الأم التي تخبّئ رسالة المجاهد بين طيات الخبز، والممرضة التي تُضمد الجراح في الكهوف، والمناضلة التي تعبر الحواجز بوجه ثابت وقلب مضيء بالعزم. في ملامح جميلة بوحيرد، وحسيبة بن بوعلي، ومليكة قايد، وفي ملامح كثيرات لا نعرف أسمائهنّ، نجد الوجه الحقيقي للبطولة: وجهٌ صامت لا يطلب ثناءً، بل يطلب فقط أن يبقى الوطن حرًا.
لم تكن الثورة تميّز بين رجل وامرأة؛ كانت تميّز بين من أحبّ الوطن ومن خانه. في صمت الزنازين وهدير المعارك كانت المرأة رمزًا للتحدي، تغزل الخبز والمستقبل معًا، وتحوّل الخوف إلى أرض تُزرع فيها بذور الاستقلال.
اليوم، حين نُعيد قراءة تلك الصور القديمة لا نراها كذكريات متحجرة، بل كنداء حيّ يهمس في أذن كل جزائرية:«لا تُسقطي الشعلة من يديكِ، فالوطن ما زال يحتاج دفءَ عزيمتكِ.» من جميلة التي واجهت الجلاد إلى طالبة اليوم التي تصارع الجهل واللامبالاة، يمتدّ خيطٌ واحد من نورٍ ودمعٍ وإصرار. ذلك الخيط يجعل نوفمبر حيًّا، ويجعل المرأة الجزائرية دائمًا في الصفوف الأولى: لا تحمل السلاح كما بالأمس، بل تحمل الفكرَ والقلمَ والأمل، فالذاكرة ليست ماضٍ يُروى فحسب، بل عهدٌ يتجدد، وفي كل أول نوفمبر، تنهض الجزائريات من رماد التاريخ التاريخ ليقلن للوطن
«كنا هنا، وما زلنا، نكتب اسمك على جبين الشمس.»
تحية لروح نوفمبر والنساء اللواتي كتبن فجر الجزائر
من رحم الثورة وُلدت المرأة الحرة