في إنجاز بارز على الساحة الأدبية العالمية، فازت الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق بجائزة بوكر الأدبية الدولية لعام 2025، عن مجموعتها القصصية “سراج القلب” (Heart Lamp)، لتصبح أول عمل قصصي ينال هذا التكريم، وأول نص مكتوب بلغة الكانادا يحصل على الجائزة.
قصص النساء المسلمات في جنوب الهند: نضال يومي بين القيود الاجتماعية والثقافية
تتألف مجموعة “سراج القلب” من 12 قصة قصيرة تسلط الضوء على حياة نساء مسلمات يعشن في جنوب الهند، حيث يتشابك تأثير النظام الأبوي مع التمييز الطبقي والديني ليخلق واقعًا معقدًا مليئًا بالتحديات. في هذا السياق الاجتماعي المحافظ، تعيش النساء في ظل قيود صارمة تحد من حريتهن وتفرض عليهن أدوارًا محددة، سواء في الأسرة أو المجتمع، مما يجعل كفاحهن من أجل التعبير عن الذات والكرامة رحلة يومية محفوفة بالصعوبات.
تتنقل القصص بين أجيال مختلفة من النساء، من الجدات إلى الأمهات وصولاً إلى الفتيات الصغيرات، لتبرز كيف يتوارثن بينهن التحديات نفسها ويكافحن في سبيل الحريّة والعدالة. كما تبرز النصوص العلاقة المعقدة بين النساء وأفراد المجتمع المحيطين بهن، من الأزواج المتسلطين إلى المشايخ وأفراد العائلة، الذين غالبًا ما يعززون هذا النظام القائم على السلطة الذكورية.
كتبت بانو مشتاق هذه المجموعة على مدى أكثر من ثلاثة عقود، بين عامي 1990 و2023، في ظل بيئة اجتماعية وسياسية ترفض أصوات النساء، وخاصة من الأقليات الدينية والطبقية. واجهت القصص مقاومة من دوائر محافظة داخل الهند، حيث تعرضت للرقابة والتجاهل من قبل المؤسسات الأدبية الرسمية والجوائز الكبرى. هذا التجاهل لا يعكس فقط نقص الاعتراف الفني، بل يعكس أيضًا تحجيمًا ممنهجًا لصوت نساء مهمشات، حاولن عبر الأدب التعبير عن واقعهن بكل ما يحمله من ألم وأمل.
لذا، يمثل فوز “سراج القلب” بجائزة بوكر الأدبية الدولية إنصافًا تاريخيًا، إذ أعاد الاعتبار لصوت أدبي مهم طالما بقي غائبًا عن المشهد العام. إنها لحظة احتفاء بالقصص التي تحكي واقع نساء كثيرات، وتجسيد لحقهن في أن يُسمع صوتهن ويُقرأ أدبهن على نطاق عالمي، متجاوزًا القيود المحلية والمجتمعية التي حاولت كبت هذا الإبداع.
كلمة بانو مشتاق عند تسلم جائزة بوكر الدولية
عند استلامها جائزة بوكر الأدبية الدولية التي تبلغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني، والتي تشاركها مع المترجم، عبّرت الكاتبة والناشطة الهندية بانو مشتاق عن فخرها الكبير واعتبرته شرفًا ليس شخصيًا فحسب، بل صوتًا يمثل العديد من النساء والكتّاب الذين لا يزالون يكافحون من أجل التعبير عن أنفسهم.
قالت مشتاق: “أقبل هذا الشرف كصوت يقف مع العديد من الآخرين، الذين يُحرمون من فرصة السماع أو الرؤية في مجتمعاتهم.”
وأضافت بلهجة مليئة بالعاطفة: “لحظة التتويج كانت بالنسبة لي لحظة لا تُصدّق، ليست فقط لأنها تقدير شخصي، بل لأنها شهادة حية على النضال المستمر للنساء اللواتي يواجهن التمييز والاضطهاد في حياتهن اليومية.”
وأكدت مشتاق أن هذه الجائزة تمثل أملًا وتجسيدًا لصوت المرأة المسلمة في جنوب الهند، وأن الأدب يمكن أن يكون قوة للتغيير الاجتماعي، من خلال كشف الحقائق المخفية وتسليط الضوء على القصص التي غالبًا ما تُهمش.
تحية للأدب المتنوع وتعزيز التعددية الثقافية
وصف أعضاء لجنة تحكيم جائزة بوكر الدولية مجموعة “سراج القلب” بأنها عمل أدبي “جديد حقًا” ينبض بالحياة والحيوية، ويقدم تجارب إنسانية عميقة ومؤثرة. وقد أشادوا بشكل خاص بطريقة الترجمة التي أضافت بُعدًا مميزًا للعمل، حيث ساعدت على توسيع آفاق القراء تجاه التعددية الثقافية واللغوية، مما أتاح لهم الاطلاع على قصص نسائية محلية نادرة ما حظيت بالاهتمام على الساحة العالمية.
وأكدت اللجنة أن هذه المجموعة القصصية تفتح نافذة مهمة على تجارب النساء المسلمات في جنوب الهند، وتُظهر وجهًا من الواقع الاجتماعي والثقافي الذي غالبًا ما يُغفل عنه، مما يجعل من هذا العمل إضافة قيمة للمكتبة الأدبية العالمية، ومثالًا حيًا على قوة الأدب في تعزيز التنوع والاحتفاء بالأصوات المهمشة.
نضال في الأدب والدفاع عن الحقوق
لا تقتصر بانو مشتاق على كونها كاتبة بارزة فحسب، بل هي أيضًا ناشطة حقوقية متفانية تدافع عن حقوق المرأة ومجتمعات المهمشين في الهند. يتجلى هذا الالتزام بوضوح في أعمالها الأدبية التي تسرد قصص نساء يكافحن من أجل كرامتهن وحقوقهن وسط ظروف اجتماعية صارمة ومعقدة.
يمثل هذا الفوز العالمي بجائزة بوكر الدولية رسالة قوية تدعو إلى تعزيز صوت المرأة والأدب المتنوع في المشهد الأدبي الدولي. كما يسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجهها النساء في الجنوب العالمي، ويؤكد على أهمية دعم الأصوات التي تكشف الحقيقة وتدافع عن العدالة والمساواة.