من خلال التراث الذي يعبر التقلبات السياسية والتاريخية، لفتة جيدة لا يمكن إلا أن نثمنها ونطلب المزيد منها، فليست أقل في نضالها وتضحياتها من غيرها سواء كانوا رجالا أو كن مناضلات لدول أحرى لم يقدمن ما قدمت هذه المرأة التي تغنى بها الشعراء والأبطال .. ولقد لقيت هذه القطعة النقدية من فئة 50 دج الصادرة بمناسبة أول نوفمبر 2022، ترحيبا كبيرا من المواطنين، وخاصة المواطنات، فاحتلال صورة الشهيدة البطلة حسيبة بن بعلي قطعة نقدية جزائرية. يعتبره المواطنون الجزائريون، أكبر اعتراف بنضالات المرأة الجزائرية منذ الإستقلال، ورغم أنه يدخل في عملية مسطرة لتخليد كل أبطال الجزائر، من خلال وضع صور الشهداء وحتى المجاهدين والرموز التاريخية للجزائر، على عملاتنا الورقية، أو معدنية، هو استفاقة قوية من تفعيل هدف الحفاظ على الذاكرة التاريخية والجماعية للمجتمع الجزائري وترسيخ لبطولات الأسلاف، لتبقى قدوة للأجيال القادمة، في انتظار إصدار عملات جديدة أخرى مستقبلا، نحيي المبادرة ونهنئ الشعب الجزائري بعيده الوطني المشرف
وهذه نبذة عن حياتها ونضالها
ولدت حسيبة بن بوعلي، في 18 من شهر جانفي عام 1938، في بلدة سنجاس الصغيرة (بوغانفيل سابقاً) عند سفح جبل وارسينيس في الأصنام – ولاية الشلف، الواقعة على بعد 14 كم جنوب العاصمة، والدها هو عبد القادر بن بوعلي، كان يعمل في مديرية الزراعة في الحكومة العامة بالجزائر العاصمة، وكانت والدتها مناضلة في جبهة التحرير الوطني،
حياة حسيبة
نشأت في عائلة ميسورة الحال، وتلقت تعليمها الإبتدائي في مسقط رأسها، ثم واصلته في الجزائر العاصمة، بعد انتقال عائلتها إليها في العام 1948.. بعد حصولها على الشهادة الابتدائية في العام 1950، التحقت بثانوية باستور (ثانوية محمد راسم حالياً)، التي أمضت فيها عامين، وعُرف عنها اجتهادها وذكاؤها. كما كانت تتلقى دروسا في الموسيقى في نفس الوقت.
انضمت حسيبة إلى الكشافة الإسلامية آنذاك، وأثناء قيادتها للمشي لمسافات طويلة في جميع أنحاء البلاد، اكتشفت الظروف المعيشية المزرية للجزائريين، وخاصة معاناة الطلبة، مما دفعها إلى الانضمام لاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، ولم تكن بلغت الـ16 عاماً، وبذلك انغمست أكثر فأكثر في النضال الوطني. ثم انضمت إلى فريق الدكتور شوليه، الذي المعروفة حالياً بالمدنية. وفي مطلع عام 1955 انضمت إلى صفوف الثورة التحريرية، وهي في سنّ 17 كمساعدة اجتماعية clos salembierفي كان قد أنشأ عيادة سرية لتقديم
الرعاية للجرحى حيث بدأت تمارس مهنة التمريض أحياناً، وأحياناً أخرى الرعاية الاجتماعية.
برز نشاطها الحركي في نهاية العام 1956، حين انضمت حسيبة إلى إحدى مجموعات الفدائيين في الجزائر العاصمة،”شبكة القنابل” التابعة لياسف سعدي، التي كانت تتكون بشكل أساسي من الطلاب، منهم عبد الرحمن طالب والدكتور دانيال تيمسيت وأصبحت عنصراً نشطاً في فوج الفدائيين المكلفين بصنع ونقل القنابل القنابل، حيث كانت مسؤولة عن نقل القنابل وزرعها في المكان المُستهدف، نظرا لملامحها الأوروبية التي كانت تساعدها على التستر، وعدم لفت أنظار جنود الاحتلال الفرنسي، ما سهّل إنجاز المهمات الموكلة إليها إمدادات من مستشفى مصطفى باشا، الذي تطوعت فيه للقيام بدورة إسعافات أولية، وهو ما أتاح لها الوصول بسهولة إلى المواد المستخدمة في صناعة القنابل ونقلها.
تم تعقب خليتها السرية في بير خادم، واعتقال أعضائها في سبتمبر 1956، الأمر الذي جعلها تحت الملاحقة، بعد أن تم الإبلاغ عنها ورفاقها، من أحد الخونة لشرطة الاحتلال الفرنسي وبعد أن تمكنت من الإفلات منهم عدة مرات، بعد أن تركت بيت عائلتها نهائياً، لتختبئ في بيت بقلب القصبة العتيقة، وصل إليها العدو في 8 أكتوبر من عام 1957، حيث حوصرت حسيبة في 5 شارع عبد الرحمن، مع رفاق نضالها علي لابوانت وعمر الصغير وحميد بوحميدي، بوشاية من أحد الخونة، الذي أعلم الاحتلال الفرنسي بمكان الفدائيين السري، وعند حلول الظلام، أحاط المظليون الفرنسيون بالمنزل، ودعوا المجموعة الفدائية للاستسلام، ولمّا رفضت المجموعة الاستسلام، فجر مظليو الاحتلال المنزل في نهاية المطاف، وقد أسفر هذا العمل عن انهيار مباني مجاورة، كما تمت تصفية 24 جزائرياً بينهم 8 أطفال، وهكذا استشهدت حسيبة بن بو علي ورفاقها، ودُفن جثمانها، في مقبرة سيدي محمد، في الجزائر العاصمة.
وتعتبر عملية تصفية أعضاء هذه الخلية، واحدة من أكثر عمليات الجيش الفرنسي تعقيداً. إذ اضطرت فرنسا لإنزال قوات من المظليين والمشاة بقيادة الجنرال مارسيل بيجار، القائد الذي أمر بالتفجير، لتستشهد حسيبة بن بوعلي، البالغة من العمر آنذاك 19 عاماً ونصف رحم الله الشهداء.
خلدت حسيبة بن بوعلي أكثر من غيرها من الشهيدات فكانت باستشهادها تلهم العظمة والتقدير، فأطلق اسمها على كثير من المؤسسات والأماكن ومنها:
شارع حسيبة بن بوعلي في الجزائر العاصمة
جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف مسقط رأسها
وهي أحد جامعات مدينة الشلف
النصب التذكاري حسيبة بن بو علي
كما كرمّت الحكومة الجزائرية الشهيدة حسيبة بن بو علي، بتخليد ذكراها عبر إقامة نصب تذكاري لها، نصبته وسط مدينة الشلف، مسقط رأسها
.
الفيلم السينمائي “معركة الجزائر”
وها هي اليوم تخلد بالعملة النقدية الوطنية من صنف (50 دينار) بكل فخر واعتزاز في عيد الشهداء