في إطار سعيها المستمر لنشر الوعي الصحي وتعزيز ثقافة الغذاء السليم، نظّمت الجمعية الوطنية للأيادي الحرفية فعاليات الطبعة الرابعة لليوم العالمي لمرضى السيلياك، وذلك من 8 إلى 10 ماي 2025، بالمركز التجاري الحامة في الجزائر العاصمة، تحت شعار: “بدون غلوتين”.
هذه التظاهرة الصحية والتوعوية شكّلت مساحة تفاعلية جمعت بين المرضى، المهنيين الصحيين، الحرفيين، و اكثر من 22 شركة متخصصة، بهدف تسليط الضوء على مرض السيلياك، دعم الإنتاج المحلي للمنتجات الخالية من الغلوتين، وتوحيد الجهود من أجل الاعتراف بهذا المرض كأحد الأمراض المزمنة التي تتطلب رعاية وتأمينًا دائمين.
وعلى مدى ثلاثة أيام، تنوع البرنامج بين عروض تجارية، ورشات عملية، محاضرات علمية، ومنافسات فنية، مما منح للحدث بعدًا شاملاً جمع بين التثقيف، الذوق، والدعم المجتمعي.
أهداف التظاهرة
سعت الجمعية الوطنية للأيادي الحرفية من خلال تنظيم الطبعة الرابعة لليوم العالمي لمرضى السيلياك إلى تسليط الضوء على هذا المرض الذي لا يزال يفتقر إلى التعريف الكافي في الأوساط المجتمعية والطبية، من خلال مجموعة من الأهداف الأساسية، في مقدّمتها نشر الوعي حول مرض السيلياك، أعراضه المعقّدة، وسبل التعايش معه بشكل صحي وآمن.
كما شكّلت التظاهرة دعوة صريحة إلى تشجيع الإنتاج المحلي للمواد الغذائية الخالية من الغلوتين، وفتح المجال أمام الحرفيين والفاعلين الاقتصاديين للمساهمة في هذا التوجّه الصحي الجديد.
إلى جانب ذلك، ركّز الحدث على الدعم النفسي والاجتماعي لمرضى السيلياك، من خلال خلق فضاءات للتبادل، والاستماع، والتجارب المشتركة بين المرضى والمختصين، في أفق بناء مجتمع أكثر احتواءً.
وفي بُعده الحقوقي، رفعت التظاهرة مطلبًا واضحًا يتمثل في الاعتراف بمرض السيلياك كمرض مزمن، بما يسمح بتوفير تغطية تأمينية دائمة للمنتجات الغذائية الخاصة بالمرضى، التي تشكل عبئًا ماليًا مستمرًا على الكثير من العائلات.
“الغلوتين خارج المعادل“
افتُتحت فعاليات التظاهرة وسط أجواء حماسية بالمركز التجاري الحامة في الجزائر العاصمة، حيث توافد الزوار من مختلف الفئات العمرية لاكتشاف عالم المنتجات الخالية من الغلوتين.
تميّز هذا اليوم بعرض متنوع من المنتجات المحلية الطبيعية، قدّمتها شركات متخصصة التزمت بمعايير التصنيع الخالي من الغلوتين، ما أتاح للمصابين بمرض السيلياك فرصة نادرة للتعرّف على بدائل صحية وآمنة تلائم نظامهم الغذائي الصارم.
من جهة أخرى، شكّل الحضور اللافت للحرفيين نقطة قوة في هذا اليوم، إذ حرصوا على تقديم وصفات تقليدية جزائرية – على غرار المقروط، الغريبية، المسمن والبقلاوة – لكن بصيغ غذائية تتماشى مع احتياجات مرضى السيلياك، ما دلّ على وعي متزايد بإمكانيات التكيّف دون التفريط في الموروث الذوقي المحلي.
كما احتضن اليوم الأول ورشات تفاعلية للتذوق والتكوين، أدارها مختصون في التغذية وطهاة مهنيون، لتعليم الحضور كيفية إعداد وصفات خالية من الغلوتين في المنزل، وتشجيع ثقافة الأكل الواعي والآمن داخل العائلات الجزائرية.
منصة علمية للتشخيص الأفضل وحياة يومية أكثر أمانًا
خُصّص اليوم الثاني من الفعاليات للجوانب العلمية والطبية المتعلقة بمرض السيلياك، حيث احتضن فضاء التظاهرة ندوة متخصصة جمعت عددًا من الأطباء والمختصين في أمراض الجهاز الهضمي والتغذية. وقد ناقش المشاركون آخر التطورات العلمية المرتبطة بهذا المرض، مع التركيز على التحديات التي يواجهها المرضى، خاصة في ما يتعلق بصعوبة التشخيص المبكر.
وأكد الأطباء في مداخلاتهم على أهمية اتباع نظام غذائي خالٍ تمامًا من الغلوتين لتفادي المضاعفات، مشددين كذلك على ضرورة الدعم النفسي، خصوصًا للأطفال المصابين، نظراً لتأثير المرض على نمط حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية.
من جانبها، قدّمت الدكتورة نوال إسماعيلي مداخلة علمية تناولت فيها العلاقة بين النظام الغذائي الخالي من الغلوتين وصحة القلب، موضحة أن تجاهل هذا النظام قد يؤدي إلى مضاعفات، منها ضعف عضلة القلب بسبب نقص الفيتامينات والمعادن الأساسية. وأوصت بضرورة المتابعة الطبية المنتظمة لضمان توازن التغذية والحفاظ على صحة الجهاز الهضمي والقلب.
تميزت الندوة بجو تفاعلي أتاح للحضور، من مرضى وأولياء، فرصة طرح تساؤلاتهم ومشاركة تجاربهم الشخصية مباشرة مع المختصين، في مشهد جسّد روح التضامن المجتمعي وكرّس مفهوم الطب التشاركي المبني على الثقة الحوار .
لمسة ختامية بنكهة الإبداع الخالي من الغلوتين
اختتمت فعاليات الطبعة الرابعة لليوم العالمي لمرضى السيلياك في أجواء مليئة بالحيوية والفرح، حيث تم تنظيم مسابقة وطنية في إعداد الحلويات والمخبوزات الخالية من الغلوتين. شارك في المسابقة طهاة محترفون وهواة، بالإضافة إلى عدد من الأطفال الذين تم تخصيص لهم جزءاً من المسابقة، حيث أتيحت لهم الفرصة لإظهار إبداعاتهم في تحضير وصفات مبتكرة وصحية تناسب متطلبات مرض السيلياك.
لم يقتصر اليوم على تقديم الحلويات، بل كان هناك مناخ خاص للأطفال الذين شاركوا في فعاليات ترفيهية، شملت حضور مهرج ووسائل تسلية متنوعة مثل الألعاب التفاعلية التي منحتهم فرصة للمرح أثناء تواجدهم في المعرض.
التكريم كان حافلاً، حيث تم توزيع جوائز رمزية على الفائزين من جميع الأعمار، تقديراً لإبداعهم وحبهم للطهي الصحي. كانت المسابقة بمثابة احتفاء بالإبداع والتعاون بين الأجيال، وهو ما عكسته روح الحضور التفاعلي، الذي أعطى لهذا اليوم طابعاً استثنائياً.
نصيرة بوديسة: من التجربة الشخصية إلى الريادة المجتمعية في دعم المصابين بالسيلياك
في تصريح خصّت به موقع جريدة “صوت النساء”، استعرضت السيدة نصيرة بوديسة، رئيسة الجمعية الوطنية للأيادي الحرفية، الأبعاد المتعددة للتظاهرة التي نظّمتها الجمعية بمناسبة اليوم العالمي لمرضى السيلياك. واعتبرت أن هذه المبادرة لا تقتصر فقط على التوعية بالمرض، بل تمثّل أيضًا خطوة فعلية نحو بناء مجتمع أكثر دعمًا لمرضاه، خاصة الأطفال منهم، وتشجيعهم على الإبداع في مجالات التغذية الصحية.
وأكدت السيدة بوديسة أن الجمعية تواصل منذ سنوات تقديم دعم فعّال لمرضى السيلياك، من خلال تنظيم ورشات عمل ومعارض متخصصة، تسهم في تحسين جودة حياتهم وتيسير حصولهم على المنتجات الخالية من الغلوتين. وأضافت: “كنا من أوائل من أطلق معرضًا خاصًا بمنتجات السيلياك في الجزائر، واليوم نواصل هذا المسار بنفس الالتزام لتوفير حلول محلية أكثر استدامة.”
وأشارت إلى أن الدافع وراء هذا العمل يعود أيضًا إلى التجربة الشخصية التي خاضتها الجمعية، خاصة من خلال مستشارة داخل الجمعية تعاني بدورها من المرض، وهو ما عمّق الإحساس بالحاجة الملحّة إلى فضاءات من هذا النوع.
كما عبّرت عن ارتياحها للتقدم الكبير الذي أحرزته الشركات الجزائرية في ابتكار منتجات خالية من الغلوتين، حيث لم تقتصر على تلبية احتياجات السوق المحلية فقط، بل أصبحت رائدة في تصدير هذه المنتجات إلى الأسواق الدولية. وأكدت أن هذا الابتكار يعكس زيادة الوعي بأهمية النظام الغذائي الخالي من الغلوتين وتطور السوق الجزائرية في هذا القطاع.
وختمت بوديسة تصريحها بتوجيه تحية خاصة للأطباء وخبراء التغذية الذين يواكبون هذه الجهود، وللشركات والمؤسسات المحلية التي تقدم دعمًا فعّالًا. واعتبرت أن الشراكات الدولية الناشئة تمثّل فرصة واعدة لتوسيع نطاق تأثير الجمعية وتعزيز حضور المنتجات الجزائرية المخصصة لمرضى السيلياك على الساحة العالمية.
مطعم Chez le Petit : وجهة جديدة لمرضى السيلياك في الجزائر
في مبادرة مميزة لتلبية احتياجات مرضى السيلياك، أعلن مهدي، المسؤول عن مطعم “Chez le Petit”، عن افتتاح أول مطعم جزائري يقدم أطعمة خالية من الغلوتين يسعيد حمدين بالعاصمة الجزائرية، وهو خطوة كبيرة نحو توفير خيارات غذائية صحية وآمنة لأولئك الذين يعانون من حساسية الغلوتين
وقال مهدي في تصريحاته: “لقد كانت لدي رغبة قوية في افتتاح هذا المطعم منذ فترة طويلة، وذلك بسبب وجود أفراد من عائلتي يعانون من مرض السيلياك. نحن نعلم تمامًا مدى صعوبة العثور على أماكن تقدم أطعمة خالية من الغلوتين، وهذا ما دفعنا إلى فتح مكان آمن ومريح لمرضى السيلياك.”
المطعم، الذي سيتم افتتاحه هذا الأسبوع، سيقدم مجموعة متنوعة من الأطعمة الخفيفة بما في ذلك الوجبات السريعة الصحية التي تلائم احتياجات المرضى، مع التأكيد على توفير أطباق لذيذة ومغذية خالية من الغلوتين.
هذه المبادرة تأتي في وقت تشهد فيه الجزائر وعيًا متزايدًا حول أهمية توفير خيارات غذائية خاصة لمرضى السيلياك، مما يجعل المطعم وجهة جديدة تمثل فخرًا للمجتمع الجزائري في مجال الطعام الصحي والمناسب لمرضى السيلياك.
معاناة مرضى السيلياك: شهادة خديجة
تعتبر خديجة، إحدى الزائرات المتأثرات بمرض السيلياك، نموذجًا حقيقيًا لمعاناة العديد من المرضى الذين يواجهون تحديات كبيرة في حياتهم اليومية بسبب حساسية الغلوتين. في حديثها، أضافت خديجة: “منذ اكتشافي أنني مصابة بمرض السيلياك، أصبحت حياتي مليئة بالتحديات. لم أعد أستطيع تناول معظم الأطعمة التي كنت أحبها، وكان من الصعب جدًا العثور على منتجات خالية من الغلوتين تلائم احتياجاتي.”
تستكمل خديجة حديثها حول الصعوبات التي تواجهها: “من أكبر المشاكل التي أواجهها هي غلاء الأسعار للمنتجات الخالية من الغلوتين، إلى جانب نقص التنوع في الخيارات المتوفرة. أحيانًا أضطر إلى تحضير الطعام بنفسي في المنزل، مما يستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين. والأكثر من ذلك، هي المشاكل الصحية التي أتعرض لها إذا تناولت أي طعام يحتوي على الغلوتين، من آلام حادة في المعدة إلى مشاكل في الهضم.”
تؤكد خديجة أن المعارض مثل هذا المعرض الذي نظمته الجمعية الوطنية للأيادي الحرفية تمثل أملًا كبيرًا للمرضى مثلها: “اليوم في المعرض، اكتشفت العديد من المنتجات المحلية الخالية من الغلوتين، وشعرت بالراحة لأنني لست الوحيدة التي أعاني. من خلال هذه الفعاليات، بدأنا نشهد تحسنًا في وعي المجتمع حول مرض السيلياك وتزايدًا في الخيارات المتاحة، وهو ما يعطينا الأمل في تحسين حياتنا.”
“مؤسسة ProBalax: ريادة في تصدير منتجات الخروب وتوسّع في السوق المحلية”
في تصريح خاص لجريدة صوت النساء، أكد السيد فاروق قاسي، المسؤول التجاري لمؤسسة ProBalax، أن المؤسسة انطلقت منذ 25 عامًا في تصدير منتجها المبتكر “كارومة” — مسحوق طبيعي مستخلص من بذور الخروب، يشكّل بديلاً صحياً وآمنًا للكاكاو، ومناسبًا لمرضى السيلياك بفضل خلوه من الغلوتين.
وأوضح قاسي أن الانطلاقة كانت موجهة للأسواق الخارجية بسبب محدودية الطلب في السوق الجزائرية آنذاك، لكن خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لاحظت المؤسسة تحولاً لافتًا في توجهات المستهلك الجزائري، ما شجّعها على توسيع حضورها محليًا.
وأشار إلى أن “كارومة” أصبح اليوم من المنتجات الأساسية في خط إنتاج المؤسسة، خاصة في ظل الارتفاع الكبير في أسعار الكاكاو عالميًا، مما جعل المستهلكين والمؤسسات يبحثون عن بدائل طبيعية واقتصادية. وقال: “كارومة استطاع أن يفرض نفسه ليس فقط كمنتج بديل، بل كمكوّن جديد في مطابخ المستهلكين المهتمين بالصحة”.
وحول مشاركة المؤسسة في التظاهرة الخاصة بالتوعية بمرض السيلياك، عبّر قاسي عن فخره بالتواجد في هذا الحدث الذي يسلّط الضوء على أهمية التغذية الخالية من الغلوتين، مؤكدًا أن هذه المنصة تتيح لهم فرصة للتواصل المباشر مع جمهور متنوع والتعريف بمنتج “كارومة” عن قرب.
يُذكر أن مؤسسة ProBalax، التي تتخذ من ولاية تلمسان مقرًا لها، تُعد من أبرز الفاعلين في مجال تصدير المنتجات الفلاحية، وقد نالت مؤخرًا تكريمًا من رئيس الجمهورية كأحسن مؤسسة فلاحية وعرفانًا بمساهمتها في ترقية الصادرات الجزائرية وتعزيز الابتكار الغذائي.أكثر دعمًا ووعيًا.
تؤكد التظاهرة التي نظّمتها جمعية الأيادي الحرفية بمناسبة اليوم العالمي لمرضى السيلياك أن الوعي المجتمعي لا يصنعه الخطاب فقط، بل تبنيه المبادرات الميدانية، والتجارب الملموسة، والشراكات الصادقة بين الجمعيات، المختصين، والمؤسسات الاقتصادية. في كل ركن من أركان هذه الفعالية، تجلّى الإصرار على تحويل التحدّي الصحي إلى فرصة للإبداع والتضامن. ويبقى الأمل أن تشكّل مثل هذه المبادرات نواة لتحسين جودة حياة مرضى السيلياك في الجزائر، وفتح الطريق أمام سياسات غذائية أكثر شمولاً وعدلاً.