منى بشناق.. ترسم الأدب بخيالها

بعدنا عن أحداث فلسطين، وقلة معلوماتنا عن واقع المرأة الفلسطينية، ليس عذرا لنا في أن نفصل نضالها الوطني ضد المحتل، عن نضالها الفكري والعلمي الذي هو جزء أساسي من نضالها السياسي والاجتماعي العام، لذلك السبب اخترت أن انقل إليكن في هذه الصفحة هذه الصورة المشرفة عن إبداعات المرأة الفلسطينية التي لا تنهي..؟

بأسلوبها السردي القوي، إلى جانب قدرتها على نسج روايات من نسج الخيال تحاكي الواقع، بما تمزجه فيها من موضوعات معاصرة، استطاعت الكاتبة “منى بشناق” أن تغذي حواس القراء وتعانق قلوبهم بما تحكيه حروفها من نصوص أدبية تحكي حال الكثيرين وتعبر عن مكنوناتهم لتعزف على أوتارهم وتجذبهم، محركة بداخلهم الشغف للقراءة والاستماع وصولا لنهايات صادمة في رواياتها المحبوكة بدقة متناهية، وبتركيبة أدبية ومزيج فريد من نوعه لتوصل فكرتها عبر السطور.

البداية..
تكتب رواياتها وتتنقل بين النصوص بسلاسة وخفة لتتلاعب بالحروف الأبجدية كعازف متمرس يخرج سيمفونية عذبة تشد المشاعر والفكر فتكتب أروع الكلام بنضج أدبي وخيال خصب وعذب ساعدتها موهبتها على صناعته من ثمانية وعشرين حرفا لتخرج بروايات أدبية استطاعت العبور نحو العالم. الكاتبة العشرينية “بشناق” من مدينة نابلس استطاعت بموهبتها إغناء المشهد الثقافي والأدبي، لتكون هويتها الأدبية جواز سفرها لإيصال رسالتها لكل مكان  في إطار روائي بلاغي وشيّق، إذ تناولت قضايا مجتمعية تعكس الواقع الفلسطيني والعربي.

تتحدث منى عن بداياتها: بدأت الكتابة في الخامسة عشرة من عمرها، واستمرت في الكتابة حتى نشرت رواية (رجل في المنفى) عام 2012 ورواية (ذهب مع تشرين) عام 2017 ثم رواية (وِزْرَ أخرى) هذا العام، حصلت على شهادة البكالوريوس في العلاقات العامة والاتصال من جامعة النجاح الوطنية، وأعمل بها.. اكتشفت الموهبة من خلال القراءة، كنت أقرأ العديد من الروايات والكتب وكنت أحس بكل كتاب أنهيه. هنالك سر يجذبني ويشدني نحوه أكثر من كونه كتاب يقرا فقط كنت اشعر بأن عندي كلام مشابه لما قرأت، وأفكار مشابهة لأفكار الكاتب، وعندما تحاورت مع نفسي قررت بأن أكتب وأخوض في هذا المجال، كتبت أربع روايات بفترة المدرسة، على دفاتري وكنت أعطيهم لأهلي وأصحابي ومعلماتي في النطاق الضيق، الى أن وصلت لمرحلة يشجعني فيها الجميع لان أجعل كتاباتي تبصر النور فقررت أن اكتب وانشر.
أعمالها الأدبية..
وعن روايتها الأولى تقول “بشناق”: عندما دخلت الجامعة ولدت أولى رواياتي وهي (رجل في المنفى) وطبعتها ونشرتها بشكل شخصي وكانت هي بداية الانطلاق لأستمر وأكمل بهذا المشوار، وهي رواية تناولت موضوع الغربة وصعوباتها والخلاف الإسلامي والمسيحي في الزواج بالنسبة للثقافة العربية، بعد التخرج كتبت روايتي الثانية وهي “ذهب مع تشرين” والتي  تحدثت عن الوطن في طابع روائي اجتماعي ورومانسي، وعن الصراع العقلي والقلبي الذي تمر به كل أنثى، ضمن موضوع قصة مشوقة وصادمة في نهايتها، والرواية شاركت في معارض دولية حول العالم تقريبا في أكثر من 15 دولة وانقبلت في دخولها لمكتبة الكونغرس الأمريكية ومكتبة دبي بعدها كتبت آخر رواية “وزر أخرى”. وتابعت: أستلهم الرواية من رساله معينة أو فكر معين، أريد الحديث عنه ثم أقرر أن أبني رواية خياليه بشخوصها وما فيها من أحداث، لكن من حيث الموضوع تكون واقعيه جدا، من الخيال أنسج حروفي وأعتبر ان هذه هي الموهبة تمكن الشخص وقدرته على صناعة قصة من مخيلته تبدو واقعية بشكل كامل تقنع القارئ بأنها حدثت بالفعل وبذات الوقت تحمل .معنى ورسالة.
واسترسلت: تستغرق الرواية معي أحيانا ستة شهور، وأحيانا سنة كاملة، وهذا يعتمد على نوع الرواية وما تحتاجه لأحداث ومعلومات. صحيح ان رواياتي خيالية، ولكن إذا احتاجت لمعلومات وأرقام لا بد ان تكون صحيحة من أجل المصداقيه والفائدة التي يتوجب على الكاتب تقديمها للقراء بالتالي تحتاج وقت من حيث الكتابه والتحضير ثم إرسالها للتدقيق وأخيرا الطباعة، أما عن طقوسي بالكتابة فانا من الناس التي تحب الكتابة بالفترة المسائية واصنع أجوائي الخاصة فأستمع للموسيقى الهادئة واكتب، فهذا الجو يعطيني قدرة ان استرسل في الكتابة وأنهي صفحات على نفس واحد، فالهدوء والموسيقى تصنع لي جوا كاملا متكاملا للكتابة وأكون برفقة الخيال والكلمات والأدب حتى استحضر كل نص أدبي وكلمة أدبية ملفتة وملهمة للقارئ.

التنوع والاختلاف..
وعن تنوعها في رواياتها وعدم التزامها بنمط أو قالب جامد قد يقود للملل في بعض الأحيان، قالت: أنا بكل رواية أختار موضوعا مختلفا عن الرواية السابقة لأن واجب الكاتب أن يقدم فائدة من خلال طرحه لئلا يكون مستهلكا، والاهم من ذلك أن يحكي عنه بطريقته الخاصة، لذا من المهم جدا كون الكاتب مثقفا يمتلك نظرة وحكمة ليكون قادرا من خلال رواية أدبية بلاغية أن ينقل المتعة والفائدة لمن يطالع حروفه
ليستمتع ويكمل الروايه لنهايتها، خاصة أن القارئ أسهل شيء عنده أن يغلق الكتاب ويقول لن أكمله وهنا يكمن ذكاء الكاتب في اختياره لمحتوى الرواية بطريقة سليمة ليجعل القارئ يغلق دفتي الكتاب ويقول إن الكاتب استطاع الإبحار به لعالم الرواية وأضاف له قيمة.  ذهب مع تشرين..
وعن رواية (ذهب مع تشرين) قالت: تحمل هذه الرواية رسالة وطنية لتوصل للعالم ماذا يحصل بفلسطين ليس بشكل مفصل عن الأحداث الداخليه في بلدي ولكن ضمن إطار المعلومات التي يجب ان يعرفها الناس خارج حدودنا الجغرافيه، تناولت فيها حرب غزة بما فيها الأرقام الحقيقية للمجازر التي ارتكبت فيها، والأحداث على الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي تحدث مع الشباب وللأسف منذ أنهيت الرواية عام 2017 وحتى اليوم لازالت تحدث وتتكرر فلا استطيع القول إنها مواضيع قديمه لأنها مشاهد يوميه لازلنا نعيشها يوميا، هذه الروايه وصلت للعالم كما تمنيت لأنها شاركت بمعارض دوليه أكثر من 15 دوله عربيه وأصبحت من بين الكتب المتداولة في مكتبة الكونغرس الأميركية في الزاوية العربية وأكملت: من خلال الرواية استطعت إيصال رسالة وطني وما يحدث فيه للعالم وانقل الواقع الذي نعيشه في سياق قصه تحكي عن صحفيه تكتب عن هذه الأحداث والأرقام وتحكي عن قصص الشباب التي تصلها نتيجة الأحداث وتدور القصص في ممرات متعدده، أما على الصعيد المحلي تحدثت عن العقل والعاطفه وكيف نضيع فيما بينهما ولا نستطيع التمييز أيهما الأصح ، طبعا بطلة الروايه تظل طوال
الوقت تلحق عقلها بعيدا عن قلبها لتصل مرحله تنهار فيها وتكتشف بأن عاطفتها هي من كانت تتحكم بها وليس عقلها، فالفكرة أنه لا أحد منا يستطيع العيش بقلب أو عقل بدلا عن الآخر فكلاهما يكمل الآخر لذا يتوجب علينا الموازنة بينهما مع احترام عاطفتنا وان كانت مخالفة للعقل، إلى أن تنتهي الرواية نهاية صادمة جدا بالنسبة للبطلة التي تخسر في النهاية العديد من الأمور ولكنها كانت تستحق خسارتها.
وِزْرَ أخرى ..
تحمل رواية( وِزْرَ أخرى) المنشورة في عام 2022 معاني متعددة تعكس رسالة العدالة وكيف تسير الأقدار، وتحكي قصة دكتور في التنمية البشرية يفقد ابنه في حادث مجهول في مدينة مانهاتن الأميركية، حيث سارت حياته وأحلامه ومفاجآت حدثت معه حتى وصل إلى الحقيقة الصادمة، الرواية اجتماعيه رومانسية ونهايتها صادمة أيضا ومشوقة للغاية.
تحدثت “بشناق” عنها قائلة: كتبت عن العدالة الإلهية في الأرض والتي جسدتها من خلال دكتور في التنمية البشرية، فلسطيني ولكنه يعيش في “منهاتن” ويفقد ابنه جراء حادثة صادمة ليعيش مراحل كثيرة ليمر بظروف تجعله تائها ما بين الرجوع للوطن أو البقاء في الغربه لما حققه من نجاحات في خضم هذا الصراع يلتقي بفتاة بالنسبة له هي تحقيق لكل أحلامه لكن الأحداث تنتهي نهايه صادمه في حدث معين يكشف له ما حل بابنه وكيف لقدر واحد أن يكون منصفا لكل الأشخاص، وهنا أريد القول بأنه رغم إيماننا بالعدالة إلا أن الفرق كبير جدا بين ان ندرك الشيء وان نؤمن فيه لان الإيمان الحقيقي يجب أن نشعره ونصدق فيه بكلامنا ومشاعرنا وتصرفاتنا، وبطل الروايه كان من الناس التي تمتلك إيمانا فكانت خاتمة الروايه صادمه وكيفيه كشف الأحداث وتقبله لما مر فيه ضمن نص سردي حزين في نهاية الرواية على لسانه.. 
رسالة وأمنية ..
اما رسالتها للجيل الجديد: أنا اعتبر ان فئة الشباب والجيل الجديد اليوم هم القوة الكامنة القادرة على التغيير والإصلاح، وبنفس الوقت قد يكونوا السبب في الهزيمة، وهذا يرجع للعقول والتفكير

والاهتمامات المسيطرة عليهم بالوقت الحالي. وهنا كل شخص منهم ممكن أن يحمل رسالة قادرة على التغيير أو إضافة الفائدة الحقيقية، سواء كانت رسالته من خلال فن، أدب، موسيقى، أو أي موهبة أو محتوى قيّم يقدر على تحقيق الأثر، رسالتي لهذا الجيل أن لا يتوقفوا عن الحلم او ملاحقة الشغف، والتعمق في القيمة الحقيقية لا الانبهار بقشور الأشياء، نحن قوة يمكنها صنع التغيير وتحقيق الأثر، فقط إن أدركنا في أي اتجاه وعبر أي شخص ووسيلة يمكننا العثور على طريقها. وختاماً، الإبداع ليس في جعل الأشخاص يتابعون، بل بجعلهم يشعرون..
“بشناق” التي  ترشحت لجائزة البوكر ولغسان كنفاني وقبلت رواياتها في مكتبة الكونغرس الأمريكية وأيضا شاركت في معارض دولية حول العالم وتشارك أعمالها الأدبية المختلفة في المعارض الدولية (مصر، وبيروت، ودبي، والشارقة، والرياض، وإسطنبول، والأردن، والجزائر، والعراق، وتونس، والمغرب، وأبو ظبي) وبمعرض فلسطين للكتاب الدولي، تقول عن أمنيتها: أولا أشكر كل من احتضن موهبتي الأدبية وأتمنى أن أكون من الكتاب الفلسطينيين الذين يصدح اسمهم بالوطن حتى أكون قادرة على رفع اسم الرواية العربية والأدب العربي، خاصة في هذا الزمن والمحافظة على قيمة الكتاب والثقافة، وبتمنى أن أكون من المؤثرين بالإيجاب من خلال رواياتي وأن تساهم كتابتي الأدبية في الحفاظ على اللغة والرسالة وإغناء الواقع الأدبي في فلسطين ومستقبلا على الوطن العربي..

تقارير نسوية  : ” نساء فلسطينيات” ، المصدر

“القدس” دوت كوم – روان الأسعد 25 أيلول 2023

Related posts

كاتبة جزائرية خلعت مذكرات الأمير هاري من الانترنت؟

القفطان الجزائري عبر العصور والحضارات

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Read More