انطلاقة مغاربية بأصداء عالمية
انطلقت خلال الأيام الأخيرة أولى السفن المشاركة في أسطول الصمود من موانئ تونسية، في مشهد اتخذ طابعاً احتفالياً وشعبياً واسعاً، عكس عمق التضامن مع غزة المحاصرة، وأعاد إلى الواجهة جدل الحصار الإسرائيلي وتداعياته الإنسانية والسياسية.. وقد أبحرت السفن التونسية الأولى، التي ضمّت نشطاء وفنانين، من ميناء “قمرت” شمال العاصمة، لتلتحق بميناء بنزرت حيث يجري تجميع السفن القادمة من سيدي بوسعيد وقمرت، استعداداً للإبحار شرقاً. بعد انضمام القافلة المغاربية التي تضم 23 سفينة، لتلتقي مع أسطول دولي أوسع، وهكذا تنطلق نحو 50 سفينة تمثل أكثر من 40 دولة من مختلف أنحاء العالم، بينها أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا، في صورة تجسد اتساع التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية.

تحديات الطريق: رغم الأجواء الحماسية والأحاسيس الإنسانية، إلا أن الخطر المتربص بالرحلة لا يغيب عن أذهان المتضامنين، فالرحلة تواجه جملة من التحديات؛ من الأحوال الجوية التي أخرت الإبحار لمرات عديدة، إلى الهواجس الأمنية بعد الحديث عن استهداف إحدى السفن بمسيّرة إسرائيلية، في حادثة نفتها السلطات التونسية معتبرة الحريق المندلع في إحدى السفن ناجماً عن خلل داخلي. ومع تكرار تلك المخاطر إلا أنها لم تُضعف من عزيمة المشاركين ولا من الدعم الشعبي الواسع الذي واكب انطلاقة الأسطول.
مواقف متباينة وانتظار دولي: تتجه الأنظار أيضاً إلى الموقف المصري عند دخول القافلة، إذ يشكل معبر رفح البري والبحري المنفذ الأهم للوصول إلى غزة رغم الإعلان عن التحاق باخرة متضامنين مصريين بالأسطول. في المقابل، تلوّح إسرائيل بإجراءات صارمة لمنع وصول السفن، كما حدث مع قوافل سابقة، ما يثير مخاوف من صدام محتمل يعيد إلى الأذهان أحداث أسطول الحرية عام 2010.
التداعيات المرتقبة: على المدى القريب، يتوقع مراقبون أن يشكل الأسطول ضغطاً سياسياً ومعنوياً على إسرائيل والدول المساهمة في استمرار الحصار، فيما يراه آخرون فرصة لتعزيز الوعي الشعبي العربي والدولي بالقضية الفلسطينية. حتى في حال منعه من الوصول، فإن تنظيمه يكفي لإعادة النقاش حول شرعية الحصار، وإبراز معاناة الغزيين على الساحة الدولية. وحتى وإن لم تنجح القافلة في الوصول الكامل، فإن قيمتها الرمزية كبيرة جدا، وهو رفع الظلم إلى الرأي العام الدولي، وتحفيز الشعوب بإذكاء النقاش حول الحصار ومعاناة غزة.. وهذا ما يؤكده الناشطون، لأن قيمة القافلة في ما بين الرمزية والواقع ليست فقط في إيصال مساعدات أو خرق الحصار عملياً، بل في إثارة الضمير العالمي وإبراز وجود شعوبا حرة مستعدة للمغامرة في البحر دعماً للعدالة ورفضاً للحصار. وبينما تبقى النتائج رهينة تطورات الأيام المقبلة، تبقى قافلة الصمود صانعة للحدث السياسي والشعبي العابر للحدود..
وعلى الأرض التونسية، وفي أجواء شعبية واحتفالية رائعة، تبرز المشاركة الشعبية المغاربية الواسعة، والفاعلة، كما يبرز الدعم المؤسساتي والأمني على الشاطئ التونسي، مما منح المشاركين طول مدة التخييم أرضية خصبة للتفاعل والحيوية دون توقف عن رفع الشعارات الوطنية والقومية، وترديد الأغانٍي الفلسطينية، والهتافات النضالية الداعمة.
أخطار وتحديات:
أولا: تحذيرات من احتمال تصدي إسرائيلي أو منعه للسفن، واعتبارات أمنية وحسّاسة من دول مثل مصر فيما يخص السماح بدخول القوافل إلى أراضيها أو استخدام معابرها. إرهاصات بأن سفينة “العائلة” المشاركة في الأسطول تعرضت لهجوم مسيّرة من إسرائيل، بينما السلطات التونسية تنفي ذلك، وتنسب الحريق إلى “خلل داخلي”، ومع كل ذلك، ومع التداعيات المنتظَرة والتي قد تكون جد خطيرة على الناشطين شخصيا، فإن بعض الملاحظين، يقيمون المعطيات المحتملة التي يمكنها التأثير في الحدث، إلى جانب الصورة التي رسمها الكيان لنفسه دوليا من حيث الإجرام والإبادة الجماعية على الفلسطينيين والتغول المفرط على الدول المجاورة، مما أثر في نتائج التصويت الداعم للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الامم المتحدة، مما قد يؤدي إلى:- ضغط سياسي ودولي أكبر على إسرائيل والدول المعنية بالحصار والدفع من خلال هذا الأسطول إلى تحفيز المشاركة العالمية مما يزيد من الضغوط على إسرائيل لفتح ممرات إنسانية، وقد يجبر الدول التي تساند الحصار على تعديل سياساتها أو على الأقل تغير في تصريحاتها الرسمية، أو:- تأجيج الرأي العام الدولي ومساندة مزيد من المبادرات الشعبية، فالصورة الرمزية التي تنقلها مثل هذه الأساطيل تُعطي زخماً للقضية الفلسطينية، وتزيد من التضامن الشعبي في الدول العربية وفي خارجها، مما قد يؤدي إلى مبادرات مماثلة أو مواقف سياسية ضاغطة
ُثانيا: أخطار تصعيد أمني أو تدخل عسكري: كما تعودنا، سيحاول الكيان منع الأسطول أو بعض السفن من الوصول، وقد يستعمل العنف عبر التدخل العسكري البحري أو الجوي، مما قد يسبب صدامات أو حتى وقوع إصابات، كما حدث في الماضي مع أساطيل أو قوافل مماثلة. مما قد يفرز إشكالات دبلوماسية بين الكيان والدول المشاركة، كما قد تظهر خصومات بين السلطات المصرية وما بين الناشطين، خاصة إن تم منع الدخول أو تعرض المشاركين للاحتجاز، مما قد يؤثر على العلاقات الثنائية أو الإقليمية، إضافة إلى المخاطر الإنسانية واللوجيستيكية للقافلة، كمخاطر الطقس، الأمن البحري، أو التهديدات الإرهابية أو حتى الاختراقات الأمنية المحتملة أثناء محاولة دخول القافلة إلى القطاع، أو عوائق بشرية غير محسوبة تنتهي بعرقلة الوصول.
وقد شهدت القافلة في ميناء سيدي بوسعيد حدثين أمنيين، أعلنهما المشاركون ونفتهما السلطات التونسية، وكذلك (لجنة تنظيم قافلة الصمود) في بيان رسمي لها، لكن في الأيام الأخيرة، تراجعت السلطات التونسية وأعلنت رسميا عن استهداف القافلة من الكيان لمرتين وهو سند تقني وميداني لما أشار إليه المشاركون.
بيان توضيحي صادر عن لجنة تنظيم قافلة الصمود
“تابعت اللجنة باهتمام ما تم ترويجه في بعض المنصات الإعلامية حول ما قيل إنه “اعتداء ثانٍ” استهدف إحدى سفن القافلة بواسطة طائرة مسيّرة، مع توجيه اتهامات متباينة إلى أطراف مختلفة.
وإذ نؤكد أنّ سلامة المشاركين والسفن هي مسؤوليتنا الأولى، فإننا نوضح ما يلي:
لم تُسجَّل أي حوادث جديدة مؤكدة تمسّ السفن أو المشاركين منذ انطلاق القافلة، لم تُسجَّل أي حوادث جديدة مؤكدة تمسّ السفن أو المشاركين منذ انطلاق القافلة، وما يروج في هذا السياق يبقى دون سند تقني أو ميداني.
- اللجنة تتابع عن قرب جميع التطورات، وتعمل بالتنسيق مع السلطات التونسية والجهات الشريكة على التحقق الفني من كل حادثة محتملة.
- نؤكد أنّ تداول مثل هذه الأخبار، سواء صحّت أو لم تصح، يعكس في جوهره حجم الإرباك الذي أحدثته القافلة على المستوى الإقليمي والدولي، ويؤكد صوابية تحركها.
- إنّ الزجّ بالقافلة في صراعات سياسية أو إقليمية أمر مرفوض تماماً، لأن رسالتنا إنسانية بالدرجة الأولى، تتمثل في كسر الحصار عن غزة وإيصال المساعدات والدعم الرمزي والمعنوي للشعب الفلسطيني.
- وعليه، تدعو اللجنة جميع وسائل الإعلام والمتابعين إلى استقاء الأخبار من مصادر رسمية وتفادي الانجرار وراء الشائعات التي من شأنها التشويش على المبادرة وتقليل من قوتها الرمزية”.
لجنة تنظيم قافلة الصمود
اليوم تلتقي سفن الصمود التضامنية المغاربية المنطلقة من تونس، مع سفن غربية، من إيطاليا واليونان في مالطا لتكمل مسيرتها إلى غزة، وتتقدم هذه السفن، سفينة نسائية دولية للتضامن مع النساء الفلسطينيات “الغزيات” على متن سفينة نسائية خالصة، تشارك فيها 15 ناشطة .
وقالت مليكة، وهي ممرضة من فرنسا، إن: “الأسطول العالمي يتكون من عشرات السفن، وتوجد سفينة واحدة خاصة بالنساء، على متنها 15 امرأة نحن نساء لم نكن نعرف بعضنا البعض من قبل، فنحن من أصول مختلفة من أوروبا، ومن أمريكا اللاتينية، ومن آسيا، لنا الآن نفس الهدف، نحن من فرنسا، وتشيلي، والبرتغال، وإسبانيا وغيرها، لكن غزة تجمعنا، ولها فضل علينا في أن يتعرف بعضنا على بعض”.
وفي وقت سابق اليوم السبت، قال عضو هيئة تسيير الأسطول المغاربي خالد بجمعة للأناضول: “نؤكد إبحار السفن الأجنبية (غير المغاربية) من ميناء بنزرت (شمالي تونس) في اتجاه غزة اليوم، لتلتقي في عرض البحر بالسفن المغاربية المغادرة من ميناء سيدي بوسعيد (شمالي تونس)”.
ويضم “أسطول الصمود العالمي” حتى الآن قرابة 50 سفينة متجمعة بموانئ تونسية، من ضمنها قافلة مغاربية تضم 23 سفينة. ومنذ 2 مارس الماضي، تغلق إسرائيل جميع المعابر المؤدية إلى غزة مانعة أي مواد غذائية أو أدوية أو مساعدات إنسانية، ما أدخل القطاع في مجاعة رغم تكدس شاحنات الإغاثة على حدوده.
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت 64 ألفا و803 قتلى، و164 ألفا و264 جريحا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 420 فلسطينيا بينهم 145 طفلا، حتى السبت.
المصادر:
Anadolu Ajansı+2الجزيرة نت+2، العربي الجديد، “قافلة الصمود / Global Sumud Flotilla”، The Guardian+2Reuters+2، Anadolu Ajansı+2The Media Line+2،Al Jazeera+2Al Jazeera+2
وكالة الأناضول