الرئيسية Uncategorizedافتتاحية آلاء النجار.. الأم الفلسطينية التي تحطّم كل قيود الألم

آلاء النجار.. الأم الفلسطينية التي تحطّم كل قيود الألم

الكاتب قسم التحرير
2 دقائق قراءة

في غزة، لا تمرّ الصباحات، بل تُسفك.

لا تصحو المدينة، بل تُبعث من تحت الأنقاض.

في زمنٍ تُختزل فيه المآسي بالأرقام، تظهر آلاء النجار لتنسف هذا التبسيط القاتل. امرأة فلسطينية من غزة، ليست مجرّد أم، بل شهادة حية على انهيار الضمير العالمي، وجرح مفتوح ينزف نيابةً عن أمّة بأكملها.

آلاء، الطبيبة التي اعتادت أن تضمّد الجراح في مستشفى التحرير بمجمّع ناصر الطبي، وجدت نفسها فجأة في مواجهة جرح لا طبّ له: تسعة من أبنائها ارتقوا تحت أنقاض منزلها، الذي قُصف بعد لحظات فقط من مغادرتها وزوجها. الصاروخ سقط لا عن طريق الخطأ، بل كما تسقط الأوامر العسكرية في قاموس الاحتلال: بدمٍ بارد، مبرمج لهدم الحياة. لم يُقتل فقط أبناؤها — يحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لقمان، وسيدرا — بل سُحقت معها فكرة الأمان، فكرة الصباح، فكرة أن ينجو الإنسان لأنه إنسان.

هذا القصف لم يستهدف منزلاً، بل استهدف أمومة، واستهدف الطفولة، واستهدف الطب، واستهدف الذاكرة الجمعية لشعب يُراد له أن يختفي.

في غزة، لا وقت للحزن، ولا فرصة للحِداد. فبينما كانت آلاء تتعرّى من فلذات كبدها، كان القصف مستمرًا في حي آخر، وطفلة أخرى تُنتزع من رحم الحياة. هذه ليست استثناءات، بل نمط ممنهج لإبادة جماعية تُرتكب على مرأى العالم.

قصة آلاء النجار ليست “خبرًا مؤلمًا” في آخر النشرة، بل افتتاحية يجب أن تُكتب في وجه العالم كل صباح. لا لأنها مأساة نادرة، بل لأنها مأساة مكرّرة، تحدث كل يوم، كل ساعة، بصمت دولي مخجل، وبمباركة ضمنية من منظومات فقدت صلاحيتها الأخلاقية.

حين يصير البيت الفلسطيني هدفاً مشروعاً في عرف مجرم لا يُحاسب،

حين تُقصف العائلة كاملةً لأنّها فلسطينية فقط،

حين يُدفَن الأطفال جماعة، ويُكتَب اسمهم على نفس الشاهد،

فلا كلمات تُجدي، ولا بيانات “القلق” تشفع.

في غزة، لم تعد الأمهات يسألن: كم تبقّى لنا من الحياة؟

بل: من سيكون الطفل التالي الذي يُسقطه الموت؟

آلاء النجار لم تفقد فقط أبنائها،

بل فقدنا نحن نخوتنا،

وفقدنا وجوهنا في المرآة،

وفقدنا جزءًا من أنفسنا في كل مرة صمتنا فيها.

إن لم نهتزّ لألم آلاء، فَلمن نهتزّ؟

وإن لم نصرخ باسمها، فمتى نصرخ؟

وإن لم نحمل قصتها إلى كل منبر، وكل ساحة، وكل ضمير،

فماذا تبقى لنا من إنسانيتنا؟

وما لم يستيقظ هذا العالم من جَبنِه،

فستواصل القبور استقبال أطفال بأسمائهم الأولى،

وسنواصل نحن السقوط، جميعًا،

في كل مرة نمرّ على المجازر دون أن نرتجف.

بقلم : أمير

مقالات ذات صلة

اضافة تعليق

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy

Adblock تم اكتشاف مانع الإعلانات

يرجى دعمنا عن طريق تعطيل إضافة AdBlocker في متصفحك لموقعنا.