شكّل تنظيم المعرض الإفريقي للتجارة البيئية محطة بارزة في مسار القارة نحو تعزيز التعاون البيئي والاقتصادي في آن واحد. فالحدث لا يقتصر على كونه فضاءً لعرض المبادرات والمشاريع الخضراء، بل يمثل منبراً لتقاطع الرؤى والسياسات التي تراهن عليها إفريقيا لتقليل التبعية للموارد التقليدية وبناء اقتصاد مستدام قائم على الطاقات النظيفة والتكنولوجيات البيئية.
من منظور إفريقي واسع، يتيح المعرض فرصة لتقريب التجارب بين الدول، وتبادل الحلول لمواجهة التحديات المشتركة مثل تغيّر المناخ، ندرة المياه، التلوث الصناعي، والاعتماد المفرط على الطاقات الأحفورية. كما يعزز فكرة التكامل القاري التي تتقاطع مع أهداف منطقة التجارة الحرة القارة الإفريقية، حيث تصبح حماية البيئة رافعة للتنمية الاقتصادية، وليست عائقاً أمامها.
أما بالنسبة للجزائر، فإن استضافتها للمعرض تمنحها موقعاً ريادياً في القارة، وتجسّد سعيها لتكون قطباً محورياً في مجالات الطاقات المتجددة والاقتصاد الأخضر. كما تمثل فرصة لاستعراض ما حققته من مشاريع في مجال الطاقة الشمسية، وتسيير الموارد المائية، وحماية التنوع البيولوجي. وعلى المستوى الدبلوماسي، يعكس المعرض التزام الجزائر بترسيخ دورها كجسر يربط شمال القارة بجنوبها، وواجهة للتعاون الإفريقي – الإفريقي.
وقد تميز اليوم الأول من الأشغال بالحضور النوعي لشخصيات وازنة من قادة سياسيين ووزراء ومسؤولين إقليميين، وهو ما أعطى للمعرض زخماً إضافياً. فالتدخلات الافتتاحية أكدت على الطابع الاستراتيجي للحدث:
- المسؤولون الحكوميون شددوا على ضرورة إدماج البعد البيئي في السياسات الاقتصادية وتعزيز الاستثمارات الخضراء.
- ممثلون عن الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية أبرزوا التوافق السياسي حول جعل الاقتصاد البيئي أحد أعمدة التنمية القارية.
- الخبراء ورجال الأعمال طرحوا رؤى عملية حول فرص السوق البيئية وسبل تمويل المشاريع.
هذا التنوع في الأصوات جعل من الجلسة الافتتاحية أكثر من مجرد بروتوكول رسمي؛ بل لحظة تأسيسية لرؤية جماعية تهدف إلى الانتقال من الخطاب إلى الفعل. كما أن اللقاءات الثنائية التي أجراها بعض القادة على هامش اليوم الأول، فتحت المجال لتجسيد شراكات جديدة تتجاوز البعد النظري إلى تعاون فعلي.
هذا وقد أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، عند إشرافه على افتتاح الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية لعام 2025 بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال على أن: “مستقبل القارة الإفريقية يتوقف على مدى القدرة الجماعية لدولها في إقامة بنية تحتية متكاملة، معربا عن يقينه بأن “مستقبل افريقيا، وكما تؤمن به الجزائر، يكمن في مدى القدرة الجماعية لدولها على إقامة بنية تحتية متكاملة”.مبرزا، في هذا الصدد، أهمية خلق مناخ للاستثمار لفائدة الجميع، وهو الهدف الذي يرتبط تحقيقه -مثلما قال- بـ”مضاعفة الجهود وحشد الطاقات وتوحيد المسار لنحول منطقة التجارة الحرة الافريقية الى أداة فعلية للتنمية”.
وخلال استعراضه للأهداف المرجوة من وراء هذه الفعالية الاقتصادية الهامة، توجه رئيس الجمهورية إلى القادة والمسؤولين الأفارقة المشاركين، داعيا إياهم إلى جعل الطبعة الرابعة من معرض التجارة البينية الإفريقية “منطلقا جديدا وعهدا متجددا نضع فيه أيدينا في أيدي البعض لنسير بخطى ثابتة نحو افريقيا قوية، متضامنة ومزدهرة”، مردفا:”فلتصنع افريقيا غذاءها بنفسها ولتستمر وتستثمر ثرواتها لصالح أبنائها وبناتها وتنتزع مكانتها عن جدارة واستحقاق في عالم اليوم والغد على حد سواء.
معرض التجارة البينية الإفريقية: نيجيريا تستضيف الطبعة الخامسة سنة 2027
وخلال افتتاح أشغال الطبعة الرابعة للمعرض أعلن عن استضافة مدينة لاغوس النيجيرية الطبعة الخامسة لمعرض التجارة البينية الإفريقية لسنة 2027.
وتم الإعلان عن البلد المستضيف للطبعة الخامسة للمعرض عبر شريط فيديو بث خلال الجلسة الافتتاحية للطبعة الرابعة, بحضور قادة الدول ورؤساء الوفود المشاركة وضيوف الجزائر, إلى جانب كبار المسؤولين في الدولة وأعضاء من الحكومة.
باختصار، نجاح تنظيم المعرض الإفريقي للتجارة البيئية بهذا العدد وبهذه الرؤيا، يعلن عن مطلب لتقارب إفريقي ذكي في عالم لا يرحم الأغبياء، ويبرز كخطوة نوعية على درب بناء اقتصاد أخضر متكامل، حيث تلتقي طموحات القارة مع موقع الجزائر الطامح لقيادة المبادرات البيئية في إفريقيا، في ظل حضور شخصيات وازنة أكسبت اليوم الأول زخماً سياسياً واقتصادياً مضاعفاً.
