الرئيسية ثقــافة ما بين السردين والحرية

ما بين السردين والحرية

دراما قصيرة عن امرأة تواجه الأعماق والموروث

الكاتب قسم التحرير
2 دقائق قراءة

في ظل تزايد الإنتاجات السمعية البصرية القصيرة في العالم العربي، يبرز المسلسل الجزائري القصير «El’Sardines» كعمل فني يجمع بين العمق الرمزي والسرد البسيط، مقدمًا حكاية ذات بُعد بيئي واجتماعي من منظور نسوي حديث. بُث المسلسل عبر قناة ARTE، ضمن تعاون جزائري-فرنسي مثمر، وقد نال تنويهًا خاصًا من لجنة التحكيم في مهرجان Séries Mania 2025.

قصة صغيرة تحمل أسئلة كبيرة

تدور أحداث المسلسل، الذي يتكون من ست حلقات لا تتجاوز مدة كل واحدة منها 11 دقيقة، حول شخصية زوزو، وهي مهندسة بحرية في الثلاثين من عمرها تعيش في مدينة ساحلية غرب الجزائر، على بُعد أيام قليلة من زفاف أختها. في خضم التحضيرات الأسرية والضغوط الاجتماعية، تقرر زوزو أن تكشف لعائلتها قرارها بالمشاركة في رحلة علمية ميدانية للبحث في اختفاء سمك السردين من السواحل الجزائرية.

القرار الصغير في الظاهر يتحول إلى زلزال داخلي وخارجي، ويفتح بابًا لمواجهة التقاليد، والانتماءات الأسرية، والحدود الجغرافية.

“السردين” كرمز لواقع مختنق

اختيار عنوان العمل “El’Sardines” لم يكن عبثيًا؛ فالسردين، ككائن بحري يعيش في جماعات مكتظة، يشكل مجازًا للواقع الاجتماعي الذي تعيشه زوزو، حيث تُحاصر الفردانية داخل مجتمع محافظ. من خلال هذه الرمزية، يطرح المسلسل أسئلة جوهرية حول حرية الفرد، مكانة المرأة، والضغوط المجتمعية، في ظل بيئة مهددة بالتغيرات المناخية والبحرية.

المسلسل يتعامل مع قضية بيئية (اختفاء السردين) ليعكس بشكل موازٍ اختفاء المساحات الحرة في حياة النساء.

أسلوب درامي إنساني… بخفة ذكية

المخرجة زوليخة طهار، إلى جانب الكاتبة كوثر عديمي، تقدمان عملًا دراميًا يحمل نَفَسًا نسويًا وإنسانيًا، دون الوقوع في فخ الخطابة أو المباشرة. بلغة بصرية هادئة ومكثفة، وبلقطات حميمية داخل البيت وصالونات الحلاقة، تُبنى دراما “ناعمة” لكن عميقة، يتقاطع فيها الشخصي مع العام.

الأداء التمثيلي لـ مريم عميار في دور زوزو جاء مقنعًا ومعبّرًا عن التوتر الداخلي بين الامتثال والتمرد. كما أن إيقاع الحلقات القصيرة ساعد على إبراز الحدة في التحولات النفسية دون الحاجة للإطالة أو الزخم الزائد.

نقد اجتماعي… من قلب الواقع الجزائري

ما يميز “El’Sardines” هو قدرته على التعبير عن الجزائر العميقة دون الوقوع في النمطية أو الاستشراق. في المسلسل، الجزائر ليست فقط فضاءً مكانيًا، بل أيضًا بيئة بشرية، بحرية، نسوية، ومشحونة بصراعات الجيل الجديد.

في إحدى الحلقات، تناقش زوزو مع زميلها العلمي مسألة التأشيرة، مما يفتح قوسًا على موضوع هجرة الأدمغة. كما تلعب مشاهد “صالون الحلاقة” دورًا رمزيًا كمكان اعتراف جماعي للنساء، حيث يتحول الشعر إلى لغة للهوية والرفض والتحول.

استقبال نقدي وجماهيري واعد

لاقى المسلسل استحسانًا نقديًا واسعًا، خاصة بعد عرضه في مهرجان Séries Mania 2025، حيث حصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم، واعتُبر من بين “أفضل الأعمال القصيرة التي تجمع بين البيئة والنسوية في إطار درامي مدمج”. كما أثار نقاشًا على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث وصفه العديد من المشاهدين بـ”تحفة صامتة”، و”مسلسل يحاكي واقعنا بصوت خافت لكن موجع”.

«El’Sardines» ليس فقط تجربة فنية ناجحة، بل أيضًا دعوة لإعادة التفكير في أشكال السرد البصري القصير، وتوسيع المساحات المتاحة لقصص النساء في الجزائر وخارجها. هو أيضًا مثال حيّ على كيف يمكن لمسلسل قصير أن يكون كبيرًا من حيث الأثر والرمزية.

مقالات ذات صلة

اضافة تعليق

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy

Adblock تم اكتشاف مانع الإعلانات

يرجى دعمنا عن طريق تعطيل إضافة AdBlocker في متصفحك لموقعنا.