حين غابت مروة، كنا ننتظر أن يُعلن المجتمع حالة طوارئ إنسانية.
لكن ما حدث كان أشنع من الغياب نفسه.
لم تمرّ ساعات حتى تحوّلت الطفلة المفقودة إلى مادة للتكهن، للإدانة، للقذف.
بدلًا من الدعاء والبحث، انهالت التعليقات بكلمات مسمومة:
“ربما هربت”، “أكيد القصة غير نظيفة”…
وهكذا، بدأ الذبح…
الذبح الأول كان باللسان، حين نُزعت عنها براءتها بالكلام.
والذبح الثاني كان بالجسد، حين وقعت بين يدي من لا يشبه البشر.
وحش على هيئة إنسان، اقتنص جسدها الصغير، ولم يكتفِ بقتلها… بل نكّل، دمّر، وسحق النور في عينيها.
لكن دعونا نكن صادقين… هذا الوحش لم يكن وحده.
الوحشية كانت ايضا الكلمات القاسية…
هي جسّد الجريمة، نعم، والمجتمع مهّد لها، وسهّل طريقها.
كل من شكك، كل من قذف، كل من جعل من مروة مادة للفضول والثرثرة،
كان شريكًا — ولو من بعيد — في جريمة سقوطها.
من الذي يبرّر اختفاء طفلة بريئة بتلميحات منحطة؟
من الذي يرى في طفلة في الثانية عشرة من عمرها “شبهة”؟
من الذي يحمّلها مسؤولية مصير لم تختَره، ولا تملك له تفسيرًا؟ شريكًا …!
اليوم، أمّ مروة تبكي وتدفن ابنتها الصغيرة في تراب لا يليق بها.
لكن الأشد مرارة… أنها قد لا تكون الأخيرة.
ما دمنا نعيش في مجتمع يرى في الطفولة مستودعًا للشك، وفي الأنثى المتألمة شبهة،
وفي القذف كلامًا عابرًا لا يُحاسب عليه أحد.
مروة، الطفلة التي كان من المفترض أن تعود إلى مقعدها المدرسي،
عادت إلى قبرها، مثقلة بخيانة مجتمعٍ صمت عن قاتلها،
وصفق للذبح … ذبح الكلمة.
فلا تسألوا فقط: “من قتل مروة؟”
بل اسألوا: “من تجرّأ على براءتها؟” أيضا.
واسألوا أيضًا: “من القادمة؟