في زمن كثُرت فيه أصوات التواطؤ والصمت الدولي، يعلو صوت نساء الجزائر مجددًا، لا من باب الشعارات، بل من موقع الفعل التاريخي الموروث عن ثورة لا تزال نابضة في وجدان الأمة. بيان صادر عن وفد من الحركة النسوية الجزائرية أعلن انخراطه في مسيرة “الصمود نحو غزة” – ليست مجرد خطوة رمزية، بل تجلٍ حيّ لمعادلة تربط النضال النسوي بمواجهة الاستعمار، وتُعيد التذكير بأن حرية المرأة لا تنفصل عن حرية الشعوب.
هذه المبادرة تأتي بتنسيق مع “تحالف أسطول الحرية”، الذي تعرّض في 9 يونيو 202 لهجوم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في المياه الدولية، أثناء محاولته إيصال مساعدات إنسانية إلى القطاع المحاصر.
من الثورة إلى التضامن.. جسور التاريخ
ما يلفت في البيان هو استدعاؤه الواضح للهوية الثورية الجزائرية، كمرجعية أخلاقية وسياسية للتحرك. لا يتحدث فقط عن غزة كأرض محاصرة، بل يراها امتدادًا لتجربة الاستعمار الفرنسي في الجزائر. هذا الربط بين ذاكرة المقاومة والنضال الفلسطيني يُعيد موضعة القضية الفلسطينية في صميم الوعي المغاربي، ويُبطل محاولات تفريغها من بعدها التحرري.
نداءٌ نسوي أممي.. ومسؤولية إنسانية
البيان لا يُمثل فقط موقفًا جزائريًا، بل يُشكل جزءًا من مبادرة عالمية، يشارك فيها أكثر من 3000 شخص من 54 دولة. ما يجعل هذا الحدث ذا طابع استثنائي هو أن من يُشاركن في المسيرة ناشطات، صحفيات، طبيبات، متطوعات… نساء قررن أن لا يَشهدن المجازر بصمت، بل يُحمّلن أجسادهن، وضمائرهن، للوقوف على حدود الموت في رفح، كي يصنعن الحياة.
ضد الصمت، ضد التواطؤ
لا يكتفي البيان بإدانة المجازر، بل يضع اليد على الجرح العميق: صمت المجتمع الدولي، وتواطؤ القوى الكبرى عبر تسليح الاحتلال. هنا، تسجّل الحركة النسوية الجزائرية موقفًا بالغ الوضوح: “تسليح الاحتلال مشاركة في الجريمة”. وهي عبارة تحمل في طياتها ما يُمكن وصفه بـ”اتهام أخلاقي مباشر” لكل من يغذي آلة الإبادة في غزة، سواء بالفعل أو بالصمت.
عن المسيرة.. سنسير لنروي
تُقر المشاركات أن مسيرتهن ليست حلاً سحريًا، لكنها تُمثل ما بات نادرًا: موقفًا. في عالم يحاصر الفلسطينيين بالسلاح، ويقمع المتضامنين بالقوانين، تشكّل هذه المسيرة تجلّيًا نادرًا لمفهوم “المسؤولية الجماعية”. الحضور في رفح ليس فقط للضغط السياسي، بل للشهادة، للنقل، للحكاية. هي محاولة نسوية لإعادة تشكيل الرأي العام من الأسفل، من أرضيات التضامن الإنساني.
رسالة من الجزائر.. فلسطين ستكون حرّة
ينتهي البيان بعبارة تلخّص جوهر الموقف: “لا أحد يستطيع أن يوقف مسيرة الشعوب نحو حريتها. فلسطين ستكون حرّة”. هذه الجملة لا تُقال من فراغ. بل تُستدعى من ذاكرة مليئة بالألم والدم والانتصار. الجزائر التي نالت استقلالها بعد 132 سنة من الاستعمار، تعرف أن الحرية تؤخذ ولا تُمنح.
بيان الحركة النسوية الجزائرية ليس مجرد إعلان تضامن، بل وثيقة سياسية – أخلاقية، تضع قضية غزة في قلب النضال النسوي، وتربط ما بين العدالة الاجتماعية، وحرية المرأة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وفي زمنٍ يتآكل فيه المعنى، تبقى هذه المواقف منارات للمستقبل، وشهادات ضد النسيان.