الرئيسية قانونيات من الرياض إلى دمشق: صفقة سياسية أم مقايضة على العدالة؟

من الرياض إلى دمشق: صفقة سياسية أم مقايضة على العدالة؟

الكاتب قسم التحرير
3 دقائق قراءة

في تحول دراماتيكي للمشهد الإقليمي، شهدت العاصمة السعودية الرياض اليوم 14 ماي 2025، زيارة رسمية للرئيس السوري أحمد الشرع، تزامنت مع إعلان الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مع طرح صريح لانضمام دمشق إلى اتفاقيات أبراهام. هذه التطورات المتلاحقة، والتي بدت وكأنها مرتّبة بعناية، أعادت إلى الواجهة أسئلة جوهرية حول معنى العدالة في العالم العربي، وعمّا إذا كانت المصالح الجيوسياسية قد أصبحت بديلاً نهائيًا عن المحاسبة والكرامة وحقوق الإنسان.

رفع العقوبات: مكافأة مجانية أم تجاهل ممنهج للعدالة؟

إنّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا لم يُقدَّم باعتباره ثمرة لمسار إصلاحي حقيقي أو تتويجًا لعملية عدالة انتقالية عادلة وشاملة، بل جاء أشبه ما يكون بمكافأة سياسية تُمنح في سياق صفقة عاجلة، تفتقر إلى الحد الأدنى من الشروط الأخلاقية والقانونية.

ففي لحظة سياسية تبدو فيها الذاكرة العربية مثقلة بجراحها، اختار ترامب أن يُنهي حقبة العقوبات دون أي مساءلة حقيقية للجهة المسؤولة أو بأبسط مقتضيات المساءلة: لا إشارة إلى المعتقلين، لا التزام بالكشف عن مصير المختفين قسريًا، لا مساءلة عن الجرائم ضد الإنسانية، ولا حتى خطاب رمزي يعترف بمعاناة الشعب السوري.

بل أكثر من ذلك، فإن هذا القرار يعكس بوضوح نهجاً نفعياً صفْقياً يتعامل مع الجرائم ضد الإنسانية كأوراق تفاوض، لا كقضايا إنسانية وسياسية تتطلب معالجة جذرية. فترامب، الذي لطالما تباهى بفكره “البراغماتي” في السياسة الخارجية، يختزل معاناة الملايين إلى بند تفاوضي ضمن ترتيبات إقليمية أوسع، هدفها إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة بأي ثمن، ولو على حساب العدالة والذاكرة.

أين الضمانات؟ ومن يملك حق تمثيل السوريين؟

في ظل غياب أي مسار انتقالي حقيقي، وأي هيئة شرعية منتخبة تمثّل فعلاً تطلعات السوريين، تفتقر الصفقة المعلَنة — والمتمثلة في رفع العقوبات — إلى أي بعد ديمقراطي أو أخلاقي. بل تبدو أقرب إلى تفاهم فوقي بين أطراف خارجية، يُدار خلف الأبواب المغلقة، دون أدنى اعتبار للإرادة الشعبية أو للمسار السياسي العادل والمنصف الذي يستحقه السوريون.

كيف يمكن الحديث عن “رفع للعقوبات” وكأننا أمام نهاية طبيعية لأزمة، في وقت لا تزال فيه الدولة السورية تدار بقبضة أمنية، ولا تزال أصوات المعارضين تُخنق، ولا توجد مؤسسات تمثيلية، ولا دستور جديد يضمن الحقوق، ولا مسار انتخابي شفاف يعطي المواطن السوري حقه في تقرير المصير؟

إنّ القوى الكبرى التي تتصدر مشهد صناعة القرار، لا تُعيد تأهيل الأنظمة بناءً على شرعيتها أو قدرتها على المصالحة الداخلية، بل على أساس مدى قدرتها على تأمين المصالح الجيوسياسية، وضبط الإقليم بما يتماشى مع توازنات القوى الدولية. وهكذا يُختزل مصير الشعوب إلى مجرّد هامش في معادلات أكبر، وتُسلب إرادة الناس تحت غطاء “الواقعية السياسية”.

اتفاقيات أبراهام: تطبيع بلا سيادة؟

دعوّة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لانضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام تُعد أحد أكثر التحركات الدبلوماسية إثارة للجدل، خصوصًا في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان، وهو ما لم يتوقف النظام السوري عن المطالبة به لفظيًا دون أي تحرك جاد على الأرض. كيف يُمكن لنظام يتغنى بسيادته ومواقفه “الممانعة” أن يوافق على الانضمام إلى تحالف تطبيعي، دون أن يشترط، ولو بشكل رمزي، استرجاع أراضيه المحتلة أولاً؟ هذه الدعوة، التي لم تلق حتى اللحظة أي رد واضح أو محدد من النظام السوري، تكشف أن منطق التطبيع أصبح يتجاوز الحقوق الوطنية والقضية الفلسطينية، ليصبح أداة لتحقيق المصالح السياسية الضيقة على حساب العدالة والمبادئ الثابتة.

وفي الوقت الذي يشهد فيه قطاع غزة تصعيدًا دمويًا غير مسبوق، تدميرًا للبنية التحتية، واستهدافًا للمدنيين العزل، حيث تزداد معاناة الشعب الفلسطيني في ظل صمت المجتمع الدولي، تصبح دعوة ترامب بمثابة إهانة مزدوجة: الأولى في تجاهل حقوق السوريين في أرضهم المحتلة، والثانية في تعميق الانقسام العربي حول قضايا أساسية، مثل قضية فلسطين. إذ يتضح أن التطبيع مع إسرائيل أصبح أداة ضغط سياسي بحتة، تُستخدم لتشكيل تحالفات جديدة بعيدًا عن أي أفق لتحقيق العدالة أو احترام السيادة الوطنية. وبالتالي، تتحول “اتفاقيات أبراهام” إلى تجسيد عملي لعالم يبحث عن مصالحه من خلال صفقات سياسية رخيصة، بينما تظل الشعوب تدفع الثمن.

ان التحولات الأخيرة لا تشير إلى نهاية الأزمة السورية، بل إلى بداية مرحلة جديدة من إعادة تأهيل السلطة دون إصلاح، وإعادة دمجها دون عدالة. قد تكسب الأنظمة صفقة مؤقتة، لكن الشعوب لن تنسى، والتاريخ لن يُمحى، وأي مشروع للاستقرار لا يقوم على المصارحة والمحاسبة والاعتراف، لن يكون سوى هدنة هشة فوق رماذ غضب شعبي،

مقالات ذات صلة

اضافة تعليق

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy

Adblock تم اكتشاف مانع الإعلانات

يرجى دعمنا عن طريق تعطيل إضافة AdBlocker في متصفحك لموقعنا.