حتفل جريدتنا الإلكترونية “صوت النساء” بسنتها الأولى وكلها أمل في تغيير واقع المرأة إلى الأفضل، خاصة بعد معاناة مشحونة بالإشكالات الإجتماعية والتوترات السياسية والأمراض المستعصية التي تطلبت منها تحديات فكرية وإمكانات جسدية ومالية وإرادة فولاذية تحتاج إلى ترسانة من القوانين والوعي الاجتماعي والحضاري، تحميها من عنف كلفها سنة2021 قتل أكثر من امرأة 55 وتهميش عدد آخر مهول، وعدم مساواة مغيبة طال أمدها.
عام جديد يجتر ما سبقه من أحداث وتمظهرات شكلت وما زالت تشكل واقعا مؤلما للمرأة وللمجتمع ككل، ومهما حاولنا النضال كنساء من أجل تغيير هذا الواقع فإننا سنجد أنفسنا دائما مكبلات بذهنيات وسلوكيات فردية وجماعية متجذرة بقوة في المجتمع، يصعب على المرأة وحدها تغييرها، بل إنها، مع الأسف، بوعي أو بدون وعي تعمل على تكريسها والتمسك بها في أحيان أخرى..؟
كان فرحنا كبيرا بالعدد الكبير الذي حققته النساء في قطاع الصحافة والإعلام بمختلف توجهاتها وتخصصاتها، بنسبة تجاوزت 55 في المائة، فالنساء في وسائل الإعلام هن الأفراد اللائي يشاركن في وسائل الإعلام التي هي وسائل الاتصال الجماعية أو الأدوات المستخدمة في تقديم المعلومات أو البيانات والتي بإمكانها أن تقوم بدور المحرك والمغير للأوضاع، لكن دور المرأة في وسائل الإعلام، كان دورا خاصا وعاما في نفس الوقت، فهي تخضع كزملائها الرجال لمحاور عدة، السيطرة المالية والإدارية على وسائل الإعلام، حرية الإعلام والتعددية الإعلامية، واستقلال وسائل الإعلام وسلامتها.
ومهما كانت الصورة التي تظهر بها للجماهير، فهي في نفس الوقت، كثيرا ما تواجه تنمرا وتمييزا في وسائط الإعلام نفسها التي تتجاوز ما يواجهه الرجال، وهو ما يطرح إشكالية عدم المساواة بين الجنسين في وسائل الإعلام والاتصال نفسها التي تصلها مع زملائها ومسؤوليها وأيضا مع من تعمل من أجلهم لتقديم مادة إعلامية محترمة، مما يطرح إشكالية قضايا السلامة المهنية..
فالسلامة المهنية، ليست فقط الحماية الفكرية والقانونية، بل هي تعكس ما تواجهه الصحافيات سواء كن يعملن في سياق غير آمن/ التحقيقات والتغطية الإعلامية الخارجية / أو في غرفة الأخبار، فخطر الاعتداء الجسدي والتحرش الجنسي والسرقة وحتي القتل، كانت ممارسات قد تكون غير منتشرة في الجزائر مثل الغرب، غير أن ممارسة التحرش الجنسي والتمييز هي ممارسات موجودة في الجزائر، قد تعالج في صمت وبصبر رهيب، وقد تصبح من مع الوقت ممارسات مسكوت عنها يتقبلها الجميع، وتحكمها منطلقات الخوف والعيب وأسباب أخرى كثيرة تتحرج النساء من ذكرها، في الوقت الذي هي ممارسات للتسلط عند الرجال وبالأخص مالكي السلطة المالية والإدارية.
إعلاميات نطلب منهن مواقف لتحدي ممارسات التمييز والعنف، وهن يتعرضن للهجوم ليس فقط محاولة لإخراس تغطيتهن للأحداث، بل يتعرضن للهجوم أيضا وللتنمر من المصادر ومن الزملاء الصحفيين والآخرين من المجتمع، و وهناك من الصحفيات من يتعرضن أيضًا لمخاطر أخرى متزايدة كالإعتداء الجنسي، سواء كان في شكل انتهاك جنسي مستهدف، أو انتقامًا من عملهن.
في دراسة استقصائية عالمية لعام 2014 شملت حوالي 1000 صحفي، صادرة عن المعهد الدولي لسلامة الأخبار بالشراكة مع المؤسسة الدولية لوسائل الإعلام النسائية وبدعم من اليونسكو، فإن ثلثي النساء اللائي شاركن بالدراسة تعرضن للإرهاب أو التهديد أو الإيذاء الجسدي في مكان عملهن.. في الفترة بين عامي 2012 إلي عام 2016، وقتها أدان المدير العام لليونسكو مقتل 38 صحفية أي بنسبة 7% من نسبة الصحفيين الذين قتلوا.
أما المضايقات الإلكترونية للصحفيات، فهي ظاهرة تتعرض لها الفتيات بشكل خاص، فهن عرضة للتحرش الجنسي والملاحقة، إذ يذكر تقرير الإتجاهات العالمية لعام 2018 عن التحرش بالصحفيات عبر الإنترنت، واستنادا لتحليل قامت به المؤسسة البحثية ” ديموس” أن ما يقرب من ثلاثة أضعاف التعليقات المسيئة المشار إليها في التحليل الذي مس أكثر من مليوني تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، قد أساءت أكثر للصحفيات مقارنة مع نظرائهن الرجال.
ونتيجة للوصمات الثقافية والمهنية القوية، فإنه لا يتم الإبلاغ عن هذه الجرائم في كثير من الأحيان، فهناك ثمان صحفيات من أصل عشرة صحفيين الذين تعرضوا لأعلى مستوى من الإهانة والتصيد بالرفض، كما بينت دراسة استقصائية قامت بها المؤسسة الدولية لوسائل الإعلام النسائية والمعهد الدولي لسلامة الأخبار، أن أكثر من 25% من الترهيب اللفظي الكتابي أو الجسدي متضمن للتهديدات التي تعرض لها أفراد عائلات وأصدقاء الصحافيات عبر الإنترنت، ولمكافحة إساءة استخدام الإنترنت الذي فرض تحديا كبيرا على ممارسات المهنة، فكيف بالنساء ككل، لنقص التشريعات وأطر السياسات على المستوي القومي والدولي لحماية الصحفيين من التحرش الرقمي، لذات السبب أطلقت شبكة التضامن الإعلامي لجنوب آسيا حملة “بايت باك” لزيادة الوعي ومكافحة التحرش الإلكتروني ضد الصحفيات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كما عقدت منظمة “الأمن والتعاون” اجتماع للخبراء تحت عنوان ” تحد جديد لحرية التعبير ومكافحة التحرش الإلكتروني بالصحفيات”، وقد قامت أيضا بطبع منشورات تحمل نفس العنوان للتضامن مع الصحفيين والأكاديميين لنشر حقائق عن إساءة استخدام الإنترنت تجاه الصحفيات وكيفية مكافحة ذلك، فحرية وسائل الإعلام والاتصال، هي حرية المشاركة في هذه الوسائل، وحقوق حرية التعبير والوصول إلى المحتوى الإعلامي وإنتاجه دون تمييز.
وهذه قضايا جوهرية يمكن فهمها من خلال النظر إلى الأبعاد المتعلقة بمسألة المساواة بين الجنسين، التي تفاقمت بسبب التعقيد المتزايد في المجال الرقمي، الذي تحرم فيه المرأة من التمتع بالمساواة الكاملة مع الرجل، ولا التقييم العملي، أي بنفس القيمة التي يحظي بها الرجل.
وفي العديد من غرف الأخبار حول العالم، فثقافة التمييز وعدم المساواة مازالت ثقافة قائمة تُصعب على المرأة التقدم والتميز.
ولا يجب أن نهمل أماكن العمل، التي شاعت فيها التحرش والمضايقات الممنهجة في ظل غياب الرقابة، رغم حضور سياسات المساواة بين الجنسين في في لوائح العمل لهذه الأماكن.