لم يعد القبر بيتًا للسكينة، ولا المقبرة مقامًا للرحمة. بل تحوّلت ـ للأسف ـ إلى مسرح عبثي يستعرض فيه البعض جهلهم، ويُمارسون طقوسًا إعلامية ملوثة تحت غطاء “محاربة السحر” و”تنظيف المقابر”. حفّارو الجهل هؤلاء لا يحملون فقهًا، ولا وعيًا، ولا احترامًا لمقدّس، بل فقط كاميرات وهواتف ذكية، وعطشًا رهيبًا للفت الأنظار.
من قال لكم إن انتهاك حرمة الموتى بطولة؟
من أجاز لكم تصوير قبور ونهشها، والتعليق عليها بلغة رخيصة تتغذى على الخرافة والهلع؟
من فوّضكم لتحليل ما تجدونه وكأنكم خبراء في علوم ما وراء الطبيعة، وأغلبيتكم بجهلون حتى أحكام الجنابة؟
هؤلاء لا يحاربون السحر، بل يسحرون العقول بتفاهاتهم. لا يحمون المجتمع، بل يملأونه خوفًا وهوسًا وريبة. المقبرة بالنسبة لهم ليست مكانًا للموتى، بل مسرحًا مفتوحًا لصيد “اللايكات” وجني المشاهدات. لا وازع ديني، لا ضمير أخلاقي، ولا احترام لحرمة الموت التي أوصت بها كل الشرائع.
والأخطر؟ أن ما يفعلونه يمر دون محاسبة. لا يُسألون عن الأذى الذي يخلّفونه في النفوس، ولا يُحاسبون على تشويههم لسمعة مجتمع بأكمله، يظهر في أعين المتابعين وكأنه غارق في السحر الأسود، والجهل، والتخلف.
كفى عبثًا!
حرمة الموتى ليست موضوعًا للنقاش، بل مبدأ لا يُمس. المقابر ليست مسارح مفتوحة لنزوات الفضوليين، ولا فضاءات للتربّح الرقمي على حساب الكرامة الإنسانية. كل من يقتحم القبور بكاميرا أو ميكروفون، وينكأ جراح الموتى باسم “كشف السحر” أو “النية الطيبة”، لا يمارس تطوّعًا، بل انتهاكًا صريحًا ومفضوحًا لحرمة الموت وللقيم الأخلاقية والدينية.
نطالب ـ لا نلتمس ـ بتجريم هذه الممارسات المستفزة، وسنّ قوانين تُحرّم التصوير داخل المقابر، وتُعاقب كل من يسيء استخدام الفضاء الجنائزي لأي غرض كان.
من يطارد الشهرة فوق قبور الناس، سقط من سلّم الإنسانية. والسكوت على أفعاله ليس صمتًا بريئًا، بل تواطؤ يُمهّد لمزيد من الدناءة.
ب.ر