أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية يوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 فرض عقوبات على خمس جمعيات خيرية وعدد من الأفراد بزعم تورطهم في تمويل حركتي حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وشملت هذه القائمة جمعية البركة للعمل الخيري والإنساني الجزائرية، في خطوة فجّرت موجة من التساؤلات والانتقادات بشأن دوافع القرار وتبعاته على العمل الإنساني في المنطقة العربية.
تأتي هذه الخطوة ضمن سياسة أمريكية مستمرة تهدف إلى تفكيك ما تعتبره “شبكات تمويل الإرهاب”، خاصة بعد التصعيد في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023. وبحسب بيان صادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، فإن الجمعيات المشمولة، ومن بينها جمعية البركة، “تستخدم النشاط الخيري كغطاء لتحويل الأموال إلى فصائل مسلحة”. وقد استُند في القرار إلى الأمر التنفيذي 13224 الذي يخول للإدارة الأمريكية فرض حظر على الأفراد والكيانات التي تدعم الجماعات المصنفة “إرهابية”.
من هي جمعية البركة؟
تُعد جمعية البركة للعمل الخيري والإنساني من الجمعيات النشطة في الجزائر في المجال الإنساني، خصوصًا في حالات الطوارئ الإقليمية. تنشط الجمعية بموجب القانون الجزائري الخاص بالعمل الجمعوي، وتخضع لإشراف إداري ومالي يفرض عليها تقديم تقارير دورية حول مصادر تمويلها وأوجه صرفها.
وقد برزت الجمعية في السنوات الأخيرة من خلال حملات تضامنية لصالح الشعب الفلسطيني، حيث نظّمت مبادرات لتقديم مساعدات إنسانية شملت الغذاء، الأدوية، المستلزمات الطبية والخيام الموجهة إلى سكان قطاع غزة.
ورغم حضورها العلني وتعاونها مع أطراف رسمية وغير حكومية، لم تُوجه إليها أي اتهامات قضائية داخل الجزائر أو على المستوى الدولي، إلى أن ظهرت في قائمة العقوبات الأمريكية، ما أثار شكوكًا واسعة حول خلفيات القرار وتوقيته.
التصريحات الأمريكية
قال نائب وزير الخزانة الأمريكية، مايكل فولكندر، إن العقوبات الأخيرة تهدف إلى “حماية القطاع الخيري من الاستغلال من قبل جهات إرهابية”، مضيفًا أن الولايات المتحدة لن تتساهل مع أي محاولة لاستخدام المساعدات الإنسانية كغطاء لتمويل أعمال عسكرية.
ويأتي هذا الإجراء، بحسب واشنطن، في إطار تنسيق دولي مع شركاء مثل المملكة المتحدة وأستراليا، ضمن استراتيجية أوسع تستهدف تضييق الخناق المالي على حماس والجبهة الشعبية.
الجمعيات الأخرى المشمولة بالعقوبات
إلى جانب جمعية البركة الجزائرية، شملت العقوبات الأمريكية أربع جمعيات تنشط في المجال الإنساني والإغاثي عبر بلدان مختلفة، وهي:
-
جمعية الوئام الخيرية – مقرها غزة، وتُتهم بتحويل أموال لحركة حماس.
-
وقف فلسطين – مؤسسة تركية مسجلة تعمل على تقديم مساعدات في الأراضي الفلسطينية.
-
مؤسسة إسراء الخيرية – مسجلة في هولندا وتعمل في الإغاثة والمساعدات.
-
جمعية القبة الذهبية – تنشط من إيطاليا، وتُعنى بشؤون القدس والمقدسات.
بالإضافة إلى الكيانات المؤسساتية، استهدفت العقوبات عددًا من الأفراد المرتبطين بهذه الجمعيات، بزعم لعبهم أدوارًا مالية أو لوجستية في تحويل الأموال نحو ما تعتبره واشنطن “أجنحة عسكرية”.
ماذا عن المنظمات التي تموّل الاحتلال الإسرائيلي؟
في الوقت الذي تتشدد فيه الولايات المتحدة في ملاحقة الجمعيات الخيرية العربية بتهم تتعلق بتمويل “الإرهاب”، تلتزم صمتًا لافتًا تجاه عشرات المنظمات الأمريكية والإسرائيلية التي تنشط علنًا في دعم مشاريع الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تشير تقارير حقوقية إلى أن هذه المنظمات، التي تعمل تحت غطاء ديني أو خيري، تجمع تبرعات بملايين الدولارات لتمويل المستوطنات غير القانونية، ودعم البنية التحتية العسكرية للاحتلال، بل وحتى تقديم معدات للجيش الإسرائيلي. ورغم أن هذه الأنشطة تُعد، وفقًا للقانون الدولي، مساهمة مباشرة في تكريس نظام فصل عنصري وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، لم تُدرج أي من هذه الكيانات ضمن قوائم العقوبات الأمريكية أو قوائم الإرهاب.
هذا الازدواج في المعايير لا يضر فقط بصدقية واشنطن في تعاطيها مع قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، بل يُقوّض أيضًا الجهود الإنسانية الحقيقية التي تقوم بها جمعيات عربية وإسلامية في المناطق المنكوبة. ويطرح السؤال الجوهري: هل تُقاس شرعية العمل الخيري بحسب هوية المستفيد، أم بحسب موقفه من السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط؟