الرئيسية Uncategorizedافتتاحية معسكرات الظل أم حرب نفسية؟ جدل حول تسريبات الموساد داخل إيران دون أدلة رسمية

معسكرات الظل أم حرب نفسية؟ جدل حول تسريبات الموساد داخل إيران دون أدلة رسمية

الكاتب قسم التحرير
3 دقائق قراءة

مع كل تصعيد عسكري في الشرق الأوسط، تظهر رواية “خارقة” منسوبة لأجهزة الاستخبارات، تَعدُّ بتحقيق المستحيل خلف خطوط العدو. وفي أحدث حلقات هذا النمط، تداولت وسائل إعلام إسرائيلية مزاعم تقول إن الموساد أقام معسكرًا لتخزين وتشغيل مسيّرات انتحارية داخل الأراضي الإيرانية، استخدمه المحتل الإسرائيلي في هجومها الجوي الأخير.

لكن ما يلفت في هذه الرواية ليس مضمونها التقني، بل الطريقة التي طُرحت بها: “مصادر أمنية” مجهولة، تسريبات غير موثّقة، غياب أي أدلة بصرية أو بيانات رسمية. ويبدو أن الهدف لم يكن إبلاغ الرأي العام بحدث، بل توجيهه نحو قراءة محددة للحدث.

بين الاستخبارات والحرب النفسية

منذ سنوات، تعتمد إسرائيل المحتلة سياسة اتصالية تقوم على تسريبات محسوبة لما تصفه بإنجازات استخباراتية “غير مسبوقة”، غالبًا دون أي تأكيد رسمي. هذه الروايات، التي تفتقر عادةً إلى أدلة مرئية أو توثيق مستقل، تُبنى على “شبه وقائع” يصعب دحضها بقدر ما يصعب التحقق منها. الهدف منها لا يقتصر على نقل معلومة، بل يتعداه إلى هندسة الإدراك العام، سواء لدى الجمهور المحلي أو داخل الدوائر الأمنية المعادية، وعلى رأسها إيران.

الحديث عن إنشاء “معسكر للمسيّرات الانتحارية” في قلب الأراضي الإيرانية، كما تداولته بعض وسائل الإعلام المحتل الإسرائيلي، يطرح تساؤلات مشروعة:

هل يعقل أن يُنشئ الموساد منشأة عملياتية بهذا الحجم داخل طهران، دون أن تكتشفها أجهزة الأمن الإيرانية المعروفة بتشعبها ونفوذها داخل النسيج الأمني الداخلي؟

وإذا افترضنا صحة الادعاء، فهل يُعقل أن بسمح المحتل الإسرائيلي بتسريب هكذا معلومة دون تخطيط استخباراتي دقيق، في لحظة توتر إقليمي بالغ الحساسية؟

ما نُشر لم يُرفق بأي توثيق: لا صور، لا تسجيلات، ولا مقاطع فيديو. وحتى الجهات الرسمية – من الموساد إلى الحكومة – لم تُعلّق رسميًا. في المقابل، لم تصدر إيران نفيًا مباشرًا، وهو ما قد يُفسر كصمت تكتيكي، لكنه لا يمنح الادعاء مصداقية تامة.

الأرجح أن هذه التسريبات تندرج ضمن إطار ما يُعرف بـ”الحرب النفسية”، وهي ساحة معركة غير تقليدية تُخاض بالكلمات والرموز، لا بالصواريخ وحدها. تسعى إسرائيل، عبر هذه الرسائل، إلى ترسيخ صورة الموساد كقوة خارقة قادرة على العمل داخل عمق الخصم، بما يربك القيادة الإيرانية، ويزيد من الشكوك والانقسامات داخل صفوفها.

التضليل كجزء من المعركة

يشير باحثو الإعلام الأمني إلى مفهوم “الضربة المعلوماتية”، والتي لا تستهدف جسد الخصم، بل وعيه وإحساسه بالأمان. الهدف ليس التدمير، بل زرع شعور بالعجز والاختراق الدائم، حتى دون الحاجة إلى فعل ميداني فعلي. في هذا الإطار، يمكن النظر إلى مزاعم إقامة “معسكر للمسيّرات الهجومية” داخل إيران على أنها ليست مجرد تسريب، بل أداة ضمن استراتيجية أوسع لتشكيل الواقع الذهني داخل صفوف النظام الإيراني.

عندما يقتنع خصمك بأنك قادر على التواجد في عمقه الأمني متى شئت، دون أن يراك، فأنت تحقق نصرًا نفسيًا لا يقل وقعًا عن أي ضربة جوية. هذه الهجمات الإدراكية تُستخدم لتغذية الشك داخل الأجهزة الأمنية، وخلق مناخ من التوجس، والانقسام الداخلي، وحتى توجيه أصابع الاتهام بين المسؤولين الإيرانيين.

وبينما تبدو مثل هذه التسريبات “عابرة” على السطح، فإنها غالبًا ما تُبنى وتُضخ إعلاميًا بعناية شديدة، وتُسهم في تأطير أي فشل إيراني لاحق باعتباره نتيجة اختراق واسع النطاق. وبهذا، تتحول الحرب من ميدان الصواريخ إلى فضاء الإدراك، ومن المعسكرات الواقعية إلى مسارح ذهنية يُعاد رسمها بخيوط دقيقة من التضليل الاستراتيجي.

ما بين التسريبات الإسرائيلية عن “معسكرات مسيّرات” داخل إيران، وتوثيقات غير مؤكدة من الموساد، وما بين صمت رسمي مدروس، ورواج إعلامي كثيف، تتكشف صورة حرب جديدة تُخاض بالكلمات والرموز بقدر ما تُخاض بالذخيرة. لم تعد الحروب تُقاس فقط بعدد الطلعات أو الصواريخ، بل بمدى النجاح في إرباك الخصم وتآكل ثقته بأجهزته ومؤسساته.

في هذه البيئة المشبعة بالإشارات المتضاربة، يصبح دور الإعلام والنقد والتحليل أكثر أهمية من أي وقت مضى، لا للتصديق أو التكذيب، بل للتفكيك والتفسير، وإبقاء الوعي حيًا في مواجهة سيلٍ من الوقائع “المحتملة” التي تُخاض بها معارك لا تُرى.

مقالات ذات صلة

اضافة تعليق

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy

Adblock تم اكتشاف مانع الإعلانات

يرجى دعمنا عن طريق تعطيل إضافة AdBlocker في متصفحك لموقعنا.