الرئيسية تحقيق من جويلية 62 إلى الجزائر الجديدة: ماذا تحقق؟

من جويلية 62 إلى الجزائر الجديدة: ماذا تحقق؟

ثلاثة وستون سنة من الاستقلال: مراجعة للمنجزات والاختلالات.

الكاتب قسم التحرير
3 دقائق قراءة

منذ استرجاع سيادتها في الخامس من جويلية عام 1962، دخلت الجزائر عهد الدولة الوطنية المستقلة بعد أكثر من قرن من الاحتلال الفرنسي، وبعد واحدة من أطول وأعنف حركات التحرر في التاريخ المعاصر. وقد كان التحدي الأول أمام القيادة الجزائرية الناشئة هو بناء مؤسسات الدولة، وتأسيس سيادة فعلية على الأرض والثروات، في وقت كانت فيه البلاد تعاني من هشاشة شاملة: بنية تحتية مدمّرة، نسبة أمية مرتفعة، اقتصاد خاضع للشركات الأجنبية، وغياب كامل للإدارة الوطنية.

في أولى سنوات الاستقلال، قاد الرئيس أحمد بن بلة المرحلة التأسيسية (1962–1965)، حيث بدأت البلاد في تطبيق سياسة “التسيير الذاتي” في المصانع والأراضي الفلاحية، مع اعتماد نهج اشتراكي في تنظيم الاقتصاد. كما شُرع في عملية تعريب التعليم، ومحاولة رسم ملامح مؤسسات وطنية سيادية. ورغم أن التجربة السياسية في تلك الفترة ظلت مرتبطة بمركزية الحزب الواحد، فقد كانت الخطوات الأولى لبناء الدولة قائمة.

في عام 1965، تولّى الرئيس هواري بومدين السلطة، ودخلت الجزائر معه في مرحلة جديدة عنوانها: استرجاع القرار الاقتصادي والسيادة التامة على الثروات. وفعلاً، شهدت البلاد في عهده تأميم المحروقات سنة 1971، وإنشاء شركات عمومية استراتيجية مثل سوناطراك، سونلغاز، SNVI، ENIE، سوناكوم، وغيرها من المؤسسات التي أصبحت تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني. كما تم إطلاق مشاريع الصناعة الثقيلة، وبُني نظام تعليمي عمومي مجاني واسع الانتشار، إضافة إلى توسيع تغطية الصحة العمومية. وعلى الصعيد الخارجي، عزّز بومدين مكانة الجزائر الدولية، واحتضنت الجزائر في عهده قمم دولية كبرى ودعمت حركات التحرر في العالم.

بعد وفاة بومدين، جاء الرئيس الشاذلي بن جديد (1979–1992)، الذي سعى إلى إدخال إصلاحات اقتصادية تدريجية من خلال تخفيف تدخل الدولة في الاقتصاد والانفتاح الجزئي على السوق. لكن أبرز تحوّل في عهده جاء سنة 1989 مع إلغاء نظام الحزب الواحد وتكريس التعددية السياسية والدستورية، ما سمح بظهور أحزاب مستقلة وصحافة حرة لأول مرة منذ الاستقلال. غير أن هذه الديناميكية السياسية ترافقت مع أزمة اجتماعية وأمنية انفجرت في أحداث أكتوبر 1988، وانتهت إلى مأزق خطير بعد إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية سنة 1992.

مع دخول البلاد في دوامة العنف والإرهاب، عرفت الجزائر واحدة من أكثر الفترات دموية في تاريخها الحديث. حاولت السلطة الانتقالية، التي قادها أولًا محمد بوضياف (الذي عاد من المنفى واغتيل في يونيو 1992)، ثم علي كافي، أن تحافظ على استمرارية الدولة، لكن الأوضاع الأمنية كانت تنذر بانهيار شامل.

تسلّم الرئيس اليمين زروال الحكم سنة 1994، في سياق أمني شديد التعقيد، فعمل على استعادة جزء من الشرعية من خلال تنظيم انتخابات رئاسية، وأطلق مبادرة “قانون الرحمة” كمحاولة أولى نحو المصالحة. كما أعاد ترتيب المؤسسات الأمنية والعسكرية على أسس احترافية. لكن المشهد بقي هشًا، ما دفعه إلى الاستقالة طواعية قبل نهاية عهدته.

جاءت مرحلة جديدة مع انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيسًا سنة 1999، حيث دخلت الجزائر في مسار استعادة السلم الأهلي من خلال ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي مكّن من إنهاء معظم بؤر العنف المسلح. استفادت الجزائر خلال فترة حكمه من ارتفاع أسعار النفط، ما سمح بإطلاق مشاريع هيكلية كبرى على غرار:

  • مشروع الطريق السيار شرق–غرب،

  • برامج ضخمة للسكن الاجتماعي، الترقوي العمومي وعدل،

  • توسيع خارطة الجامعات،

  • إعادة تأهيل المطارات، المستشفيات، وشبكات النقل.،
  •  إطلاق مشروع جامع الجزائر الأعظم، بوصفه أكبر صرح ديني في إفريقيا، ورمزًا معماريًا يعكس تطلعات الدولة الجزائرية إلى الجمع بين الهوية والتحديث.

كما عزز بوتفليقة حضور الجزائر الدبلوماسي، خاصة في إفريقيا والعالم العربي، وجعل من قضية فلسطين أحد محاور خطابه الخارجي.

بعد استقالة بوتفليقة تحت ضغط الشارع، تولى عبد القادر بن صالح الرئاسة بالنيابة، ليدير مرحلة انتقالية قصيرة انتهت بتنظيم انتخابات رئاسية في ديسمبر 2019، أُسفرت عن انتخاب عبد المجيد تبون رئيسًا للبلاد.

منذ توليه الرئاسة، رفع تبون شعار “الجزائر الجديدة”، مؤكدًا على ضرورة:

  • قطيعة حقيقية مع الفساد والمحسوبية،

  • إصلاح المنظومة السياسية والدستورية،

  • محاربة البيروقراطية،

  • تشجيع الرقمنة والابتكار،

  • تنويع الاقتصاد الوطني بعيدًا عن المحروقات،

  • دعم المؤسسات الناشئة، والزراعة الاستراتيجية، والصناعة الصيدلانية.

وقد تم خلال عهدته اعتماد دستور 2020 الجديد، إلى جانب إطلاق مشاريع رقمنة واسعة في قطاعات الإدارة، التعليم، الضرائب، العدالة، والجمارك. كما تم توجيه جهود كبيرة لتعزيز الدور الإقليمي للجزائر في الساحل وليبيا، وإعادة التموقع الاقتصادي في إفريقيا.

عتبارًا من اليوم، وعلى مدى أسبوع كامل، سنعرض في كل مرة قطاعًا محوريًا من القطاعات التي بنت الدولة الجزائرية، سواء في التعليم، الصحة، الطاقة، البنية التحتية، الصناعة، الدبلوماسية، الرقمنة، السكن، أو مكانة المرأة. في كل مقال، سنعرض أهم الإنجازات، أبرز الأرقام، ونحلل دور المؤسسات الوطنية التي شكّلت النواة الصلبة لبناء الدولة.

…يتبع

مقالات ذات صلة

اضافة تعليق

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy

Adblock تم اكتشاف مانع الإعلانات

يرجى دعمنا عن طريق تعطيل إضافة AdBlocker في متصفحك لموقعنا.