الرئيسية تجديد الحظر: من المادة 117 إلى قانون 2025… الجزائر تُغلق الباب أمام العملات الرقمية

تجديد الحظر: من المادة 117 إلى قانون 2025… الجزائر تُغلق الباب أمام العملات الرقمية

الكاتب قسم التحرير
6 دقائق قراءة

في خطوة تُعيد التأكيد على موقفها الرافض للتعامل بالعملات الرقمية، أصدرت الحكومة الجزائرية  قانون جديد نُشر في العدد الخاص من الجريدة الرسمية في يوليو 2025، يتضمن تجديدًا وتوسيعًا لحظر استخدام العملات الافتراضية، مثل “بيتكوين” و”إيثريوم” و”دوجكوين” وغيرها من الأصول الرقمية غير المدعومة من بنك مركزي.

هذا القانون يأتي بعد مرور سبع سنوات تقريبًا على صدور المادة 117 من قانون المالية لسنة 2018، والتي تم نشرها في الجريدة الرسمية عدد 76 بتاريخ 28 ديسمبر 2017، ودخلت حيز التنفيذ في 1 جانفي 2018، وكانت أول نص قانوني جزائري يفرض حظرًا تامًا على شراء وبيع وحيازة واستعمال العملات الافتراضية.

 ماهي العملات الرقمية؟ ومن أين بدأت؟

العملات الرقمية، أو العملات الافتراضية، هي شكل من أشكال النقود التي تُستخدم إلكترونيًا دون وجود مادي لها، مثل الأوراق أو القطع المعدنية. يتم تداولها عبر شبكة الإنترنت، وتُخزّن عادة في “محافظ إلكترونية” خاصة، كما تُؤمَّن باستخدام تقنيات التشفير المعقدة. وتُصنّف العملات الرقمية إلى أنواع مختلفة، من أبرزها:

  • العملات المشفّرة (Cryptocurrencies) مثل البيتكوين (Bitcoin) وإيثيريوم (Ethereum) ولايتكوين (Litecoin)، وهي الأكثر شيوعًا، وتتميّز بكونها لامركزية وغير خاضعة لأي سلطة مالية.

  • العملات المستقرة (Stablecoins) مثل Tether (USDT) أو USD Coin (USDC)، وهي عملات رقمية مدعومة بأصول حقيقية (كالدولار أو الذهب) بهدف تقليل التقلّبات السعرية.

  • العملات المركزية الرقمية (CBDCs) وهي العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية، كالمشروع التجريبي لليوان الرقمي في الصين، أو العمل الجاري على الدينار الرقمي في بعض الدول.

  • الرموز الرقمية (Tokens) التي تُستخدم ضمن أنظمة البلوكشين لأغراض متعددة، مثل إدارة العقود الذكية، أو الوصول إلى خدمات معينة.

أشهر العملات الرقمية هي “البيتكوين”، الذي ظهر لأول مرة عام 2009، كأول عملة مشفّرة لامركزية في العالم. ومع مرور السنوات، ازدهرت سوق العملات الرقمية، فظهرت آلاف العملات الأخرى التي جذبت ملايين المستخدمين حول العالم، وشكلت تحديًا للأنظمة المالية التقليدية.

التشريع الجزائري والعملات الرقمية:

المادة 117 من قانون المالية لسنة 2018: أول موقف رسمي جزائري من العملات الرقمية

جاء أول تحرك قانوني رسمي في الجزائر ضد العملات الرقمية من خلال المادة 117 من قانون المالية لسنة 2018، التي نُشرت في الجريدة الرسمية عدد 76 بتاريخ 28 ديسمبر 2017، ودخلت حيّز التنفيذ في 1 جانفي 2018. وقد نصّت هذه المادة بوضوح على حظر التعامل بالعملات الافتراضية، مُعلنة رفض الدولة لأي نشاط مالي غير خاضع لرقابتها المصرفية.

تنص المادة على ما يلي:

“يُمنع استعمال العملات الافتراضية عبر التراب الوطني. تُعتبر العملات الافتراضية تلك التي يُستخدمها مستخدمو شبكة الإنترنت عبر الوسيط الإلكتروني، دون دعم من بنك مركزي.”

وقد كانت هذه المادة بمثابة إعلان واضح من السلطات الجزائرية بعدم الاعتراف بالعملات الرقمية، ومنع تداولها أو استخدامها في أي شكل من الأشكال، سواء في المعاملات التجارية أو في الاستثمار، ما جعل الجزائر من الدول القليلة التي اعتمدت موقفًا قانونيًا صارمًا منذ بدايات انتشار هذه التكنولوجيا المالية.

القانون الجديد لسنة 2025: توسيع وتجديد الحظر

في 24 يوليو 2025، صاغت السلطات الجزائرية القانون رقم 25‑10 ونشرته في الجريدة الرسمية رقم 48، ليضيف بنودًا جديدة ضمن قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (القانون 05‑01 لسنة 2005). أبرز هذه البنود هي المادة 6 مكرر (أو المعروفة بـ«المادة السادسة مكرّر») التي تنص على:

“تُمنع كل أشكال إصدار أو تداول أو تحويل أو بيع أو شراء أو حيازة أو ترويج العملات الافتراضية أو الأصول الرقمية، بما في ذلك إنشاء أو تشغيل منصات ومحافظ رقمية، سواء لأغراض الدفع أو الاستثمار أو المضاربات – ويُعد كل هذا نشاطًا غير قانوني يوجب الملاحقة القضائية المترتبة.”

كما وسّعت هذه المادة نطاق الحظر ليشمل الاستخدامات المرتبطة بـمنصات التحويل الدولية كـ “بايسيرا” و”وايز” (Wise) عندما يُستخدمان لأغراض تتعلق بالتحويل إلى محافظ افتراضية أو التداول بالأصول المشفرة.

السياق الإقليمي والدولي لتنظيم العملات الرقمية

الجزائر ليست الوحيدة التي اعتمدت موقفًا حذرًا تجاه العملات الافتراضية؛ فالكثير من الدول الإفريقية والعربية اعتمدت سياسات مقيدة أو حظرًا تامًا، استنادًا إلى التحذيرات المرتبطة بغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، وتحديات تتبع المعاملات الرقمية.

 الدول التي تُقيد أو تحظر التعامل بالعملات المشفرة:

  • نيجيريا: واحدة من أكبر الأسواق الرقمية في القارة، إلا أن البنك المركزي في نيجيريا أصدر في فيفري 2021 قرارًا بمنع البنوك من توظيف أو تسهيل المعاملات المرتبطة بالعملات الرقمية، بما في ذلك إغلاق حسابات الأفراد المرتبطين بمنصات التداول

  • تنزانيا: البنك المركزي أصدر تحذيرات من استخدام العملات الرقمية واعتبرها غير قانونية وغياب التنظيم يشكل خطرًا ماليًا

  • جمهورية الكونغو الديمقراطية: حظرت الدولة رسميًا تداول العملات المشفرة، في قرار مدعوم من صندوق النقد الدولي

  • زيمبابوي وليبيريا: تم طلب وقف نشاطات الشركات الناشئة الكبرى في العملات الرقمية وعدم قبولها في النظام المالي التقليدي

  • بنغلاديش ومصر والمغرب ودول أخرى: صنفت العملات المشفرة ضمن الأطر المحظورة أو المقيدة بشدة

     دول اختارت طريق التنظيم بدلاً من الحظر

    • الإمارات العربية المتحدة: نموذج رائد على مستوى المنطقة، إذ أطلقت هيئات تنظيمية متخصصة مثل (VARA) في دبي و*(FSRA)* في أبوظبي. كما وضعت أنظمة ترخيص لمقدمي خدمات العملات الرقمية وطبقت معايير صارمة للامتثال مثل AML وKYC، وبدأت في استخدام العملة الرقمية في العقارات والمالية

    • البحرين: اعتمدت إطارًا تنظيميًا متكاملًا لتشجيع القطاع المالي الرقمي، مع تشريعات واضحة لتداول وإصدار العملات الرقمية.

    • جنوب أفريقيا: اعتمدت تنظيمًا جزئيًا يسمح باستخدام العملات الرقمية ضمن شروط ومراقبة معينة، دون حظر شامل

    • باكستان: في مارس 2025، أُسست “هيئة تنظيم الأصول الافتراضية” (PVARA) لتشرف على الترخيص وتنظيم استخدام العملات الرقمية، وتستخدم إطارًا منطقيًا لموازنة الابتكار والحماية المالية

يشكّل الحظر المفروض على العملات الرقمية من قِبل بعض الحكومات خيارًا مثيرًا للجدل، تتداخل فيه الاعتبارات الاقتصادية والأمنية والتنظيمية. ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول لحماية سيادتها النقدية ومكافحة الجرائم المالية، يُنظر إلى هذا الحظر أيضًا باعتباره قيدًا قد يحدّ من الابتكار الرقمي ويفوّت فرصًا استثمارية واعدة. بين هذه الرهانات والتحديات، تتباين المواقف، ما يستدعي قراءة متأنية للجوانب الإيجابية والسلبية لهذا التوجه.

الجوانب الإيجابية لحظر العملات الرقمية:

  1. الحد من الجرائم المالية:

    يُساهم الحظر في تقليص احتمالات استخدام العملات الرقمية في أنشطة غير قانونية مثل غسل الأموال، تمويل الإرهاب، والاحتيال الإلكتروني، نظرًا لصعوبة تتبّع المعاملات الرقمية عبر البلوكشين بشكل فعّال في أغلب الأحيان.

  2. حماية النظام المالي الوطني:

    بمنع تداول عملات رقمية غير مركزية، تتمكن الدول من الحفاظ على سيادتها النقدية، والتحكم في المعروض النقدي وسعر الصرف، دون التأثر بعملات خارج الرقابة الرسمية.

  3. الوقاية من فوضى الأسواق المالية:

    في ظل التقلبات الكبيرة في أسعار العملات المشفرة، يساهم الحظر في تفادي المضاربة والفقاعات المالية التي قد تضر بالمدخرين والمستثمرين غير المحترفين.

  4. منح الوقت الكافي لوضع إطار قانوني وتنظيمي ملائم:

    الحظر المؤقت يسمح للسلطات بتهيئة البيئة القانونية، وتكوين خبرات فنية محلية، قبل فتح السوق أمام التعاملات الرقمية.

الجوانب السلبية لحظر العملات الرقمية:

  1. حرمان الاقتصاد الوطني من فرص الابتكار الرقمي:

    يمكن أن يؤدي الحظر إلى عزل البلد عن ديناميكيات الاقتصاد الرقمي العالمي، ومنع تطوير مشاريع تعتمد على تكنولوجيا البلوكشين، مثل العقود الذكية والتمويل اللامركزي.

  2. فقدان جاذبية الاستثمار التكنولوجي:

    الشركات الناشئة والمستثمرون في مجال التكنولوجيا المالية قد يتجهون نحو دول أكثر انفتاحًا، ما يؤدي إلى نزيف في الكفاءات وفرص التمويل.

  3. انتعاش السوق السوداء والتعاملات غير النظامية:

    الحظر لا يوقف الاستخدام، بل قد يدفع الأفراد إلى التداول في الظل أو عبر قنوات غير رسمية، ما يعقّد جهود المراقبة ويزيد من المخاطر.

  4. إضعاف ثقة الشباب في السياسات الاقتصادية:

    في ظل اهتمام واسع من فئة الشباب بالتقنيات الحديثة، يُمكن أن يُفسَّر الحظر كإجراء محافظ يعكس عدم استيعاب للتحولات الرقمية العالمية.

    بالنظر إلى التحولات الرقمية المتسارعة على الصعيدين الإقليمي والدولي، يظل موضوع العملات الرقمية من القضايا الجدلية التي تفرض على الدول موازنة دقيقة بين فرص الابتكار ومخاطر الانفلات المالي. وبينما تسعى الجزائر إلى حماية اقتصادها الوطني وضمان الاستقرار المالي والاجتماعي من خلال تبني موقف حذر تجاه هذه العملات، فإن هذا الحذر يجب أن يترافق مع قراءة استراتيجية للتحولات العالمية وفرص الاستثمار الرقمي. وفي خضم هذا الجدل، تبرز الحاجة إلى إطار قانوني واضح، مرن، ومتجدد، يراعي خصوصية السياق المحلي دون أن يغفل عن الديناميكيات العالمية، بما يضمن حماية المستهلك، ومحاربة الجرائم المالية، دون أن يُغلق الباب أمام التطور والاندماج في الاقتصاد الرقمي العالمي.

اضافة تعليق

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy

Adblock تم اكتشاف مانع الإعلانات

يرجى دعمنا عن طريق تعطيل إضافة AdBlocker في متصفحك لموقعنا.