الرئيسية عين الفوارة… التمثال الذي لا ينكسر..

عين الفوارة… التمثال الذي لا ينكسر..

الكاتب قسم التحرير
3 دقائق قراءة
      منذ أكثر من قرن، وقف تمثال “عين الفوارة” شامخًا في قلب مدينة سطيف، مجسدًا الجمال والهوية والفن. غير أن هذا الرمز الثقافي ظل على مدى عقود، هدفًا لهجمات متكررة تعكس صراعًا عميقًا في المجتمع الجزائري بين قيم الانفتاح والتعددية من جهة، ومحاولات فرض الرؤية الأحادية المتطرفة من جهة أخرى.
إن محاولات تخريب هذا التمثال، منذ تفجيره عام 1997، إلى محاولة تشويهه مؤخرًا في يوليو 2025، ليست مجرد اعتداءات على منحوتة حجرية، بل هي محاولات ممنهجة لمحو الذاكرة الثقافية. ففي كل مرة، يتجدد السؤال: ما الذي يخيف البعض من تمثال حجري؟ هل هو الجسد العاري؟ أم أن المسألة هي  أعمق وربما تكمن في رمزية الانفتاح ورفض القوالب الإيديولوجية؟
ردّ الدولة كان دائمًا واضحًا: التمثال باقٍ في مكانه، ولن يُنقل إلى المتحف، لأن ذلك يعني الرضوخ لفكر الإقصاء. وبدورها، ساندت النخبة الثقافية هذا التوجّه باعتباره وقوفًا ضد المساس بالتراث المشترك.
   لكن الصراع هنا ليس بين من “يقبلون” الفن ومن “يرفضونه”، بل بين من يؤمنون بحق الجميع في التعدد والتعبير، ومن يسعون إلى محو كل ما يخالفهم، حتى لو كان حجرًا صامتًا. في هذه المعادلة، لا مكان للحياد، بل ينبغي أن يكون التمسك بالرمز مقاومة فكرية وثقافية، تمامًا كما هو دفاع عن الجمال في وجه البشاعة.
التمثال في مرمى التطرف :

منذ مطلع التسعينيات، ومع تصاعد التيارات المتطرفة في الجزائر، شُنّت حملة ممنهجة ضد مختلف أشكال الفنون، مستهدفة السينما والمسرح والتصوير والنحت، وحتى وسائل الإعلام والتلفزيون. وشهدت تلك الفترة عمليات اغتيال واختطاف طالت شخصيات فنية وإعلامية، إلى جانب تدمير معالم تراثية وفنية تعكس الهوية الثقافية للبلاد.

ورغم تفكيك الجماعات الإرهابية لاحقًا، لم تتوقف الاعتداءات على تمثال “عين الفوارة”، بل تواصلت على نحو فردي ومتكرر، مما يعكس استمرار التوتر الرمزي حول هذا المعلم الفني.

يُعدّ تمثال “عين الفوارة”، المعروف شعبيًا بـ”المرأة العارية”، من أبرز رموز مدينة سطيف. نحته الفنان الفرنسي فرانسيس دو سانت فيدال سنة 1898، ونُقل إلى سطيف عام 1899، ليصبح على مر العقود رمزًا فنيًا وثقافيًا يجمع بين الجمال والتراث المحلي والعالمي.

وفيما يلي أبرز محطات الاعتداء على التمثال:

  • 1997: أول محاولة تفجير باستخدام قنبلة تقليدية، خلفت أضرارًا جزئية. وقد أعيد ترميم التمثال بدعم واسع من الأوساط الثقافية في موقف تضامني ضد العنف.

  • 2006: محاولة ثانية لإتلاف التمثال أُحبطت بتدخل سريع من المواطنين والسلطات.

  • 18 ديسمبر 2017: اعتدى رجل ملتحٍ، يبلغ من العمر حوالي 34 عامًا، على التمثال باستعمال مطرقة ومثقاب، ما ألحق تشويهًا بالوجه والصدر. ووصفت وزارة الثقافة الحادثة بـ”السلوك الهستيري المتهور”، بينما صرّحت الشرطة بأن المعتدي يعاني من اضطرابات عقلية بنسبة تتراوح بين 80 و100 بالمئة.

  • 9 أكتوبر 2018: محاولة رابعة، نفذها شخص آخر ملتحٍ كان يحمل مطرقة وقضيبًا حديديًا، تم توقيفه قبل أن يُحدث أضرارًا بالغة.

  • يوليو 2025: أحدث محاولة، نفذها شاب في حالة سكر، اعتدى على وجه التمثال بحجر، مما تسبب في أضرار طفيفة، وتم توقيفه على الفور.تُجسّد الاعتداءات المتكرّرة على تمثال عين الفوارة صراعًا مستمرًا بين قيم الفن والانفتاح من جهة، وموجات التشدد والرفض من جهة أخرى. ورغم محاولات التخريب، ظلّ هذا المعلم صامدًا، بفضل إرادة المجتمع في حماية رموزه الثقافية والدفاع عن حرية التعبير الفني. إن الحفاظ على هذا التمثال لا يعني فقط صون قطعة فنية فريدة، بل هو موقف جماعي لحماية الذاكرة الجماعية والهوية المتنوعة للجزائر.

اضافة تعليق

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy

Adblock تم اكتشاف مانع الإعلانات

يرجى دعمنا عن طريق تعطيل إضافة AdBlocker في متصفحك لموقعنا.