مجرد رأي

الكاتب قسم التحرير
4 دقائق قراءة

 نفيسة لحرش 

 

شهدت أروقة الأمم المتحدة في الأيام  الأخيرة حراكاً مكثفا، لا يمكن توصيفه إلا بكونه انعكاسا لحجم  التوترات الدولية واشتباك الملفات الإقليمية في ضوء استمرار الحرب في غزة، وتنامي الضغوط الدبلوماسية على إسرائيل، وصعود مكانة القضية الفلسطينية مجدداً إلى واجهة النقاش العالمي، فقد موضعت المداولات الأخيرة القضية الفلسطينية كأحد الملفات الأكثر سخونة، سواء من حيث حجم التغطية أو من حيث مواقف الدول الأعضاء، مما يؤشر إلى ارتدادات سياسية وقانونية قد تُرسم ملامحها الآن لكنها مرشحة للتوسع مستقبلاً. 

أولاً: مواقف دولية متباينة 

 أظهرت النقاشات في الأمم المتحدة انقساماً واضحاً بين القوى الكبرى. ففي حين واصلت الولايات المتحدة الدفاع عن إسرائيل وعرقلة أي قرارات مُلزمة ضدها في مجلس الأمن، شهدت الجمعية العامة زخماً متزايداً للمواقف المؤيدة للفلسطينيين، سواء عبر المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار أو عبر الاعتراف المتزايد بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة. وقد أدى ذلك إلى توسيع الهوة بين الشارع الدولي والقرار الأميركي، مما قد يخلق بيئة دبلوماسية جديدة تضغط على واشنطن لإعادة النظر في سياستها. 

ثانياً: البعد القانوني والشرعية الدولية 

 الحراك الأممي أظهر بوضوح أن إسرائيل تواجه عزلة متنامية في المحافل الدولية، حيث صارت قرارات الإدانة والانتقاد تنال أغلبية متصاعدة. هذه الدينامية قد تُستخدم مستقبلاً كأساس لإجراءات قانونية أوسع، مثل تفعيل ملفات المحكمة الجنائية الدولية أو الدفع نحو آليات مساءلة خاصة. وبذلك، فإن مجريات الأمم المتحدة اليوم قد تؤسس لمسار قانوني أكثر صلابة لصالح الفلسطينيين في المستقبل. 

ثالثاً: انعكاسات على الداخل الفلسطيني 

 من زاوية أخرى، أوجدت هذه النقاشات زخماً سياسياً للفلسطينيين أنفسهم، حيث باتت القيادة الفلسطينية مدعومة برصيد جديد من المواقف الدولية. غير أن التحدي يبقى في مدى قدرتها على توظيف هذا الزخم ضمن رؤية سياسية موحدة، خصوصاً في ظل الانقسام الداخلي وتعقيدات الواقع على الأرض في غزة والضفة. 

رابعاً: أبعاد مستقبلية 

 من المرجح أن تستمر تداعيات الأمم المتحدة في رسم ملامح مستقبل القضية الفلسطينية على مستويين: 

قصير المدى: تعزيز الضغوط لوقف الحرب في غزة، وربما فرض ترتيبات إنسانية وسياسية، وبعيد المدى: وهو الدفع نحو إعادة إدراج خيارحل الدولتينكمسار سياسي إلزامي، مدعوما بإجماع دولي أوسع، مما قد يفتح الباب لمفاوضات جديدة، وإن كانت صعبة ومعقدة. 

الإستنتاج المثير 

ولمن تابع مجريات المناقشات في الأمم المتحدة، يخرج بانطباع واضح: القضية الفلسطينية استعادت مكانتها المركزية في النقاش الدولي، لكنها ما تزال عالقة بين رمزية الخطابات وحدود الفعل السياسي. فالمشهد الأممي بدا متناقضاً؛ من جهة، معظم دول العالم تحدثت بوضوح عن ضرورة إنهاء الحرب في غزة، ووقف نزيف الدم، والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، ومن جهة أخرى، ظل مجلس الأمن مشلولاً أمام “الفيتو الأميركي” الذي يحول دون أي قرار مُلزم لإسرائيل. هذا التناقض بحد ذاته ليس جديداً، لكنه هذه المرة يحمل معنى مختلفاً: عزلة متزايدة لواشنطن وتآكل قدرتها على فرض روايتها بشكل مطلق. 

أعتقد أن ما جرى في نيويورك خلال الأسابيع الأخيرة يفتح الباب أمام قراءتين: الأولى آنية، مرتبطة بالحرب الدائرة في غزة وما تفرضه من ضغوط إنسانية وسياسية؛ والثانية مستقبلية، تتعلق بإعادة تموضع القضية الفلسطينية في الخارطة الدبلوماسية العالمية. 

في البعد الآني، يتضح أن إسرائيل لم تعد قادرة على تقديم نفسها للعالم بوصفها “دولة ضحية” كما فعلت لعقود، بل أصبحت صورتها مرتبطة بالحصار والقتل والدمار. وهذا التحول ليس تفصيلاً عابراً، بل يمهد لمرحلة جديدة من المحاسبة، ولو تدريجياً، عبر المؤسسات الدولية. 

أما في البعد المستقبلي، فإن ارتدادات الأمم المتحدة يمكن أن تُقرأ كإشارة إلى عودة “حل الدولتين” إلى طاولة البحث، ليس باعتباره خياراً مثالياً أو قريب التحقق، بل باعتباره الإطار الذي يجمع عليه المجتمع الدولي، في مواجهة انسداد أفق “الوضع القائم”. لكن يبقى السؤال: هل الفلسطينيون أنفسهم جاهزون سياسياً ووحدوياً لاستثمار هذا الزخم؟ وهل أمريكا المعرقل الأول يستطيع فرض حل سلمي يحد من طموحات السيطرة لإسرائيل والتي أصبح كل العالم يعرف أنها تلتقي بشدة مع مصالحها وقد تبلور  أخيرا في اقتراح مشروع ترمب  على بعض الدول العربية والإسلامية الي التقت معه على هامش أشغال الملتقى الأممي ( 21 بندا) 

شخصياً، أرى أن اللحظة الأممية الراهنة تمنح الفلسطينيين فرصة استراتيجية، لكنها فرصة مشروطة: بقدرتهم على تجاوز الانقسام الداخلي، وصياغة خطاب سياسي جامع، والانتقال من موقع المتلقي إلى موقع المبادر. فالأمم المتحدة وحدها لا تصنع دولة، لكنها قد توفر الغطاء الشرعي والضغط الدولي الذي لا غنى عنه. 

إن رمزية ما يجري في الأمم المتحدة تكمن في كونها تعكس بداية تغير في ميزان الخطاب العالمي حول فلسطين. أما تحويل هذه الرمزية إلى قوة فعلية، فهو التحدي الأكبر أمام الفلسطينيين، وربما مفتاح مستقبل قضيتهم. بطبيعة الحال إذا ما ابتعد الخونة عن المسرح الفلسطيني 

 يمكن القول إن ارتدادات مجريات الأمم المتحدة لم تعد مجرد خطابات رمزية، بل تحولت إلى مؤشرات على إعادة تشكيل الموقف الدولي من القضية الفلسطينية. ورغم أن الطريق لا يزال محفوفاً بالتحديات والعراقيل،الممثل في  المطلقتعنت الكيان ودعم الولايات المتحدة الامريكية،  إلا أن تصاعد هذا الزخم  قد يمنح الفلسطينيين فرصة استراتيجية لإعادة بناء حضورهم السياسي على الساحة العالمية، بما قد يعيد صياغة موازين القوى في المنطقة خلال السنوات المقبلة. 

 

مقالات ذات صلة

اضافة تعليق

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy

Adblock تم اكتشاف مانع الإعلانات

يرجى دعمنا عن طريق تعطيل إضافة AdBlocker في متصفحك لموقعنا.